رغم أني أعترف لـ«تويتر” بأفضاله الكثيرة علينا، والتي لا ندري كيف نردها له بصراحة.. إلا أن هناك علتين أساسيتين في موضوع التغريد على "تويتر”، أولها التنفيس، والثانية إشاعة الإحباط.. أما عن الأولى فهي ظاهرة لا نود أن يكون لها مكان في عالمنا السياسي الرحب.. فهناك أدوات تغيير لا تشمل التكلم على "هاشتاغ” لمدة يوم أو أسبوع ثم التزام الصمت، وكأن الأمر دور انتهى أو مهمة أنجزت.. وكأن صوتك قد وصل وقلت كلمتك وانتهى الموضوع عند هذا الحد. «تويتر” أحياناً صار أقرب ما يكون للمقاهي الشعبية في المسلسلات العربية.. حيث يقال كلام كبير جداً في كل مجالات الحياة من سياسة ودين واقتصاد، وتطرح كل الشجون والهموم لكنه كلام لا يصل لأبعد من هذا المكان حيث تبتلعه أدخنة الشيشة. طبعاً حكومتنا ولله الحمد تسمع وتتجاوب، لكن كثيراً من الحكومات تعول على التنفيس، من خلال المواقع الاجتماعية، حيث تبدأ القضايا ويتم تبنيها بشدة فترة محدودة ثم تموت.. فلا تشكل رأياً عاماً كافياً لإحداث تغيير.. قد تصل وقد لا تصل إلى أصحاب القرار.. وهذا ليس أمراً سهلاً بالنسبة لبعض القضايا التي تتعلق بحقوق أساسية. الأمر الثاني هو إثارة وإشاعة مشاعر الإحباط.. جملة واحدة أو كلمة قد تصل إلى عدد كبير من مستخدمي "تويتر”.. والمشكلة لو كانت تحمل معنى "غيركم أدرى” أو "أبخص”.. اتركوا الخلق للخالق.. وماذا ستغيرون وماذا بأيديكم لتفعلوا؟.. هذا وضع غير قابل للتغيير وعليكم أن تعتادوه.. اعتادوا مشكلاتكم ولا تفكروا في طريق الخلاص.. لا تطرحوا حلولاً ولا تفكروا.. وهذه التعليقات موجودة.. وليس بالضرورة أن تكون بهذه الصورة المباشرة، لكنها ستوحي بالمعنى ذاته.. إنك مغفل لا تدري ما يدور حولك والشأن السياسي كله ليس لك ولا اختصاصك.. واترك الأمور للعارفين. حتى في هذه المساحة الحرة جداً هناك من سينقل قيود الحياة الحقيقية إلى الافتراضية، وسيحاول أن يخنقك بها.. هناك من سيصفي حسابات فشل في تصفيتها في الواقع.. هناك من يتلاعب بالألفاظ ليرسم صورة مغايرة للحق والباطل.. عموماً نحن شعوب تهوى الكلام، والكلام هو البضاعة الوحيدة التي لا ترتفع أسعارها.. لكن يمكن أن نستخدم "تويتر” وغيره من مساحات بحيث يكون لنا ويمكن أن نجعله ضدنا. الحوار المستمر والتعبير عن الأفكار والتنفيس عن الهموم والمشاكل المجتمعية، كلها ظواهر صحية، لكن أقولها لكم بصراحة إذا كانت نهاية قضايانا الكلام ثم الكلام فنحن توقفنا عن الحراك المجتمعي، وصرنا نتكلم في مجلس واحد جدرانه كاتمة للصوت.. لكي يكون لنا ثقل ووزن يجب أن نكون متواجدين من خلال الجمعيات السياسية، وندعم ذلك بنشاط إلكتروني.. صحيح الكلام أسهل لكن الميل للعزلة مضر.. لا يقل ضرراً عن نشر المشكلات بلا حلول واليأس من العلاجات.
Opinion
«التويتريون»
12 سبتمبر 2012