من الصعوبة بمكان فهم النظرة الأمريكية لأحد قادة المعارضة الراديكالية في البحرين مثل عيسى قاسم، فالإدارة الأمريكية تدرك قدرة هذه الشخصية التأثير على المعارضة الراديكالية وقدرتها في التحكم بجماهير هذه المعارضة من خلال فتوى دينية واحدة بعيداً عن أي سياق.المسؤولون الأمريكيون ينظرون لعيسى قاسم على أنه شخصية دينية - سياسية راديكالية متورطة في أنشطة التحريض على الإرهاب والعنف السياسي وتجاوز القانون، ولكنهم دائماً ما يشددون على أهمية عدم المساس به، سواءً بالمحاسبة القانونية، أو الاعتقال، أو الإيقاف عن الخطابة. كيف نفهم مثل هذا التناقض الصارخ في الموقف الأمريكي؟الصراحة الأمريكية تقتضي الاعتراف بطبيعة الدور الذي يلعبه عيسى قاسم في النظام السياسي البحريني، وهو دور مؤثر وراديكالي وخطر، ولكن الإدارة الأمريكية ترى ضرورة استمرار هذا الدور من أجل الاستفادة من هذه الحالة في نشر الفوضى الخلاقة كجزء من منظومة التغيير الإقليمي في الشرق الأوسط. هذا يعني أن استمرار وجود شخصيات دينية - سياسية راديكالية في البحرين يعد مهماً لإحداث التغيير السياسي في أي وقت، وغياب مثل هذه الشخصيات سيكون أمراً غير مجد تماماً. هذه هي المعادلة الأمريكية باختصار، وما يدعمها أن المسؤولين الأمريكيين كثيراً ما يؤكدون أن المساس بعيسى قاسم سيؤدي إلى نشر الفوضى وإحالة البلاد إلى حالة قريبة من الصراع الأهلي بين مكونات المجتمع، وتحديداً بين السنة والشيعة. مثل هذه المعادلة تعطينا قناعة بأن هناك شكلاً من أشكال الحصانة الأمريكية غير الرسمية التي يتمتع بها عيسى قاسم، وهي حصانة ليست مكتوبة بقدر ما هي افتراضية قائمة على المصلحة المتبادلة، وتجبر واشنطن باستمرار على صيانة هذه الحصانة لشخصية عيسى قاسم. حتى نفهم القضية من زاوية أخرى نتذكر جيداً قضية عالم الدين المصري الضرير الشيخ عمر عبدالرحمن الذي يصنفه البعض على أنه "راديكالي” واتهم في قضية اغتيال السادات ونال البراءة لاحقاً. عندما أفرج عنه سافر للإقامة بشكل دائم في منتصف الثمانينات من القرن العشرين بولاية نيوجيرسي الأمريكية، وعندما وقعت تفجيرات نيويورك في العام 1993 اتهم بأنه من حرّض عليها، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. هذه القضية مشابهة بشكل كبير للحالة التي يمثلها عيسى قاسم في البحرين، فكلاهما تورط في قضية تحريض على ممارسة الإرهاب، ولكن الفرق اللافت أن واشنطن اعتقلت الشيخ عمر لتورطه المباشر في الإرهاب، ولكن المنامة لم تعتقل عيسى قاسم لتورطه المباشر في الإرهاب عندما أطلق فتواه الشهيرة (اسحقوهم). والسبب في ذلك هو ازدواجية معايير واشنطن التي تحاول باستمرار الضغط على المنامة من أجل عدم المساس بعيسى قاسم حفاظاً على مصلحتها باعتباره أداة من أدوات التغيير السياسي في المنطقة.