يبدو أن الاهتمام بمتابعة أخبار الآخرين، وجرد ثرواتهم، وسرد سلسلة إخفاقاتهم الدنيوية، بات الشغل الشاغل للإنسان المعاصر، فما أن يقرأ شخص ما مقالاً لصديقه أو زميله في العمل يشيد فيه الأخير مثلاً بالإنجازات التي تحقّقت على صعيد بناء الوطن، ويدعو للالتفاف حول قيادته الساعية لتحقيق الرفاهية للشعب، حتى يهاتفه ليسأله عن آخر أخبار قائمة المرشحين لمناصب إدارية حكومية قادمة، ولا يهدأ له بال حتى يتيقّن أن اسم الصديق غير موجود بالقائمة. وما أن يسمع أحد الأشخاص بأن رئيسه في العمل بمؤسسة القطاع العام قد اشترى سيارةً فارهةً دون قروض أو متبقيات مالية حتى يشرع في وضع "الخطط الجهنمية السرية” الكفيلة بالكشف العاجل عن صافي الراتب الشهري للنوخذة، ومقارنة الرقم المستخرج بسعر السيارة، لمعرفة ما إذا كانت هناك مصادر دخل أخرى لا يعلم هو شخصياً عنها، لأن عدم معرفته بها "أمر مستهجن”، إذ يُفترض أن يتم "إطلاعه” على حسابات زملاء المهنة أولاً بأول! السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان؛ لماذا صار الإنسان المعاصر متفرغاً لتعقّب أخبار الآخرين، وإحصاء ممتلكاتهم، ورصد أخطائهم؟ وللإجابة عنه، يفترض أن نرسم صورة أو بروفيلاً لمثل هذا النمط السائد من البشر، فشخصيته توحي في الغالب بإنسان عديم الثقة في قدراته الذاتية، ودائم الشك بالآخرين، فهو في مجال العمل لا يستطيع إبهار رئيسه أو زملائه أو مرؤوسيه بإنجازاته أو قدراته المهنية بسبب غيابها أو تدنِّي مستواها، وهذه الوضعية تدفع "آلية الدفاع” عن ذاته للعمل بكامل طاقتها، حتى لا يشعر بأنه إنسان غير ناجح في الحياة، فتراه يتقرّب من المتألِّقين، ويطريهم علناً أمام الآخرين، ربما كي يكسب رضاهم عنه، لأنه بحاجة لمثل هذا "القبول الاجتماعي” حتى يجد نفسه بين الآخرين، فهو دائم البحث عن ذاته المفقودة التي أضاعها بسبب لهاثه وراء المناصب والمظاهر البراقة، وعن بساطة الحياة التي افتقدها حينما كان "يقنع نفسه” ذات يوم بأنه يستطيع "إرغام” مرؤوسيه على إطاعة أوامره دون نقاش، حتى بات همّه اليومي الآن هو المحاولة العابثة لإقناع الجميع بأنه إنسان فاضل، زاهد في دنياه، لا يهمّه المال، ولا يقبل "المساومة” على مبادئه وكرامته، وما يشغل باله فقط هو معرفة أحدث الأخبار الطازجة، وتتبّع مصادرها الأصلية، فهذا عمل "تطوّعي” ينتفع منه جميع أفراد الأمة!أتصوّر أن أحد أعراض الانهيار العصبي الوشيك للفرد هو وقوعه تحت تأثير الاعتقاد بأن المنصب أو المال أو المكانة الاجتماعية هي أشياء في غاية الأهمية، ولا يمكن الاستغناء عنها. إنها في الواقع كلها زائلة، إلا ما ترك الإنسان من علمٍ أو أثرٍ تتذكره به الأجيال بعد فنائه!