قبل أيام طالعنا خبراً لصحيفة "يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية عن الرسالة التي وجهتها الإدارة الأمريكية لطهران، بخصوص عدم نيتها الانجرار وراء إسرائيل، إذا ما قررت الأخيرة توجيه الضربة العسكرية المعلقة في الأفق، مقابل ألا تقوم إيران باستهداف مصالح استراتيجية أمريكية في الخليج العربي. وأيضاً إعلان باريس بأن الضربة قد تنقلب ضد الصهاينة. في كلا النهجين كسر لهيبة إسرائيل أكثر منه نصيحة استراتيجية لإعلاء شأنها. فكيف تمرد الغرب على مصاصي الدماء من جماعة "إيباك”؟!. وكيف رجحت كفة دول الخليج على كفة إسرائيل في الميزان الإيراني؟لا شك أن كبح النشاط النووي الإيراني لمصلحة إسرائيل هاجس أصيل في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، تبناه حتى مرشح الرئاسة الجمهوري ميت رومني، صاحب المشروع السياسي الحافل بالهفوات والأخطاء الاستراتيجية حد الخطيئة. لذا كان من المستغرب صدور نهج يقول إن واشنطن لن تسمح بمغامرة ضرب المنشآت النووية الإيرانية والزج بالمنطقة بحرب شاملة.وعند التجرد من القراءة الانتقائية والمنحازة، نجد جملة ملاحظات مهمة وأساسية، ومنها:- تسريب قرار عدم دعم إسرائيل في ضرب إيران يتساوى في ميزان حملات الانتخابات الرئاسية الأمريكية مع قرار مهاجمة الطائرات الأمريكية لإيران، والخروج بنتائج عسكرية هزيلة كمخرجات حربي العراق وأفغانستان. حيث التوقيت يضر بحملة الرئيس باراك أوباما لتخاذل حكومته عن تنفيذ الالتزامات العسكرية تجاه الحليف الاستراتيجي الأهم.- المزايدة على كسب ود اللوبي الصهيوني في الانتخابات الأمريكية المقبلة يقلل من رصيد أوباما، كما يكشف عن وصول العلاقات الأمنية الإسرائيلية الأمريكية إلى درك غير مسبوق.- يمكن قراءة "عدم وجود خط أحمر يحمي إيران”، كما جاء كتكملة للخبر على لسان الأمريكيين، أن واشنطن قد تغير رأيها إلى النقيض. وقد لا يتعدى هذا الأمر جرعة تخدير لطهران قبل مباغتتها. ويؤكده أيضاً ما كشفته صحيفة "معاريف” الإسرائيلية عن وجود نية أمريكية لمنح إسرائيل طائرات تزود بالوقود، وقنابل خارقة للتحصينات "تدعم حرية إسرائيل في العمل العسكري”. كما يجعل أمر التخدير المرحلي أكثر قبولاً لانتباه طهران لذلك، وإعلان قائد قوات الدفاع الجوي الإيرانية بأن بلاده ستجري مناورات ضخمة تشمل جميع أنظمتها للدفاع الجوي الشهر المقبل، تأهباً لصد هجمات مرتقبة.- رفع واشنطن لإصبعها عن الزناد، يعني رفع سقف الإجراءات الأخرى كالحظر التجاري والتكنولوجي والعسكري الشامل، والتوسع في إجراءات جديدة تشمل دعم المعارضة الإيرانية للخروج إلى الشارع، وفتح ملف حقوق الأقليات، وتسويق قابلية نجاح "الربيع الفارسي”.بمقتضى اتفاقيات التعاون الدفاعي التي وقعتها دول الخليج ـــ منفردة ـــ مع واشنطن، قدمت الأخيرة تسهيلات واسعة تسمح لهذه الدول باستخدام منشآتها البرية والجوية وموانئها وتزويدها بالخدمات اللوجستية، مما يجعلها شريكاً أمنياً كبيراً لأمريكا. وبحكم المنطق الداخلي للحدث يمكننا قراءة ما يجري بعين خليجية كالتالي:- يعرف كل عسكري خليجي، عمل مع الجيش الأمريكي، أن تلك المؤسسة في جلها لا تلتقي ولو في أدنى الدرجات مع وجهات نظر سياسيي واشنطن حيال إسرائيل مقارنة بالخليج العربي. فهنا أقاموا في معسكراتنا لعقود، وفقدوا رجالهم في ساحات قتالنا. بل أجزم كمشارك لهم ببعض الحشود والمناورات وبرامج التدريب أن أمن إسرائيل مفردة لا تجدها في الفكر العسكري الأمريكي، بقدر ما تجد خطط الدفاع عن الخليج. لكن خضوع المؤسسة العسكرية الأمريكية للقيادة المدنية كجزء من المبادئ الديمقراطية يجعلها تخضع لأوامر السياسيين حال تلقيها.- هناك قابلية عالية لاستيعاب رجوح كفة الخليج، لكون النفط لا يزال في صدارة المصالح الاستراتيجية والاقتصادية الأمريكية، كما احتلت دول الخليج المرتبة الأولى في استيراد الأسلحة الأمريكية. فقرار عدم مهاجمة إيران يعني بيع أسلحة وأنظمة دفاعية أمريكية جديدة للمنطقة. وواشنطن عزمت على نشر رادار جديد في قطر كجزء من نظام الدرع الصاروخية لصد صواريخ إيران التقليدية أو النووية.- كما سيعني القرار جنوح واشنطن لأعمال عسكرية غير قتالية، ومن ذلك ما ذكرته عن نيتها حشد ما يزيد على 25 دولة لإجراء أكبر مناورة لكسح الألغام في مياه الخليج، للحيلولة دون قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز. وعزمها إجراء مناورات بحرية ونشر أنظمة دفاعية في مياه الخليج. ولا يقرأ ذلك الجهد العسكري عند المراقبين ككلفة مالية فحسب، بل كلفة في عدم الاستقرار أيضاً.- لن يكون في مصلحة دول مجلس التعاون تسرب قرار يظهرها عند صانع القرار في واشنطن بشكل يفوق إسرائيل، حتى ولو كان محكوما بمرحلة زمنية. بل سيؤسس قناعات إيرانية بضرورة أخذنا كرهينة، بعد أن أكدت واشنطن أننا خاصرتها الضعيفة المشرعة الأبواب.- لمحت الإدارة الأمريكية بإمكانية اللجوء كبديل عن الحرب لأنشطة سرية كانت قد طرحت من قبل ورفضت حينها. فسبقتها طهران بالأنشطة السرية والحرب الناعمة باستخدام فيروسات أجهزة الكمبيوتر، حيث وجدت أن شركات النفط الخليجية في مرمى نيران هجماتها الإلكترونية. فهل كان من ضحاياها شركة "راس غاز” القطرية ثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، حين اكتشفت فيروسا في شبكة أجهزة الكمبيوتر في مكاتبها، بعد أسبوعين فقط من تعرض "أرامكو” السعودية أكبر منتج للنفط في العالم لهجوم مماثل؟لا شك أن هذه القراءة ليست الوحيدة المحتملة للصورة. فقد لا يتعدى الخبر الذي بثته "يديعوت أحرنوت” دينامية التصعيد للضغط على واشنطن، لتساوم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بحماس أكثر قد يصل إلى حد بقاء الرئيس السوري بشار الأسد نظير ضمان أمن إسرائيل. أو أن يكون ما نراه صحيحاً برجحان كفة المصالح الأمريكية في الخليج على كفة إسرائيل.^ المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج