72 ساعة فقط تفصلنا عن اختبار مشهد جديد في الشرق الأوسط خلال مرحلة ما بعد الربيع العربي، وأعتقد أن النتائج ظهرت أمس عندما اغتيل السفير الأمريكي في ليبيا مع مجموعة أخرى خلال اعتداء على السفارة من جماهير غاضبة بسبب فيلم مسيء للإسلام تم إنتاجه أمريكياً.وقبل هذا المشهد في ليبيا نعود شرقاً قليلاً لنجد الجماهير الشابة ذاتها في العاصمة المصرية تعتلي أسوار السفارة الأمريكية بالقاهرة في مشهد لم نره منذ زمن، وذلك احتجاجاً على الفيلم الأمريكي المسيء للإسلام أيضاً. السؤال هنا؛ هل صار مزاج الجماهير العربية اليوم معاداة الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى، رغم أن واشنطن كان لها دور رئيس في وصول النخب الإسلامية الحاكمة في العديد من بلدان الربيع العربي؟ ندرك جيداً أن من حقائق ما بعد الثورات تصاعد حدة التطرف بعدها مباشرة، وهذا التطرف مطلق، وليس مقصوداً به تجاه طرف ما سواءً كانت النخب القديمة الحاكمة (نظام مبارك في مصر أو نظام القذافي في ليبيا أو حتى نظام بن علي في تونس)، أو كانت القوى الخارجية التي كان لها مواقف معينة من الثورة نفسها. وفي حالة بلدان الربيع العربي، فإن خيارات استهداف التطرف تشمل القوى السياسية السابقة، والقوى الداعمة خارجياً، ومثالها الولايات المتحدة. ولذلك نجد تصاعد حدة التعذيب في السجون التونسية الآن حسبما تتناقله تقارير إعلامية ومسؤولون تونسيون، فهذا السلوك نتيجة التطرف المتصاعد بعد الثورة. والآن يبدو أن التطرف يستهدف القوى الخارجية التي دعمت الثورات العربية، فالمسألة ليست الموقف الحاد من فيلم أمريكي يسيء للمسلمين تزامن مع ذكرى الحادي عشر من سبتمبر، وإنما هو تطرف يستهدف كل ما يعادي القوى والمكونات التي ساهمت في نجاح الثورة والتغيير السياسي. في العام 2001 انهمك الأمريكان كثيراً ودوائر الأبحاث وصنع القرار هناك بدراسة ظاهرة الأمريكوفوبيا، وهو ما أوجد سريعاً الإسلاموفوبيا كردة فعل غربية على أحداث سبتمبر الدامية. واليوم بعد التغيير السياسي الواسع النطاق الذي قادته ودعمته واشنطن في الشرق الأوسط، يبدو أن المزاج العام يميل للأمريكوفوبيا تحديداً، فليس منطقياً أن يعادي الإسلاميون الجدد الذين صاروا حكاماً لبعض الدول العربية أنفسهم أو حتى أيديولوجياتهم، خاصة وأن هؤلاء لديهم تاريخ سابق وموقف واضح غير مريح تجاه واشنطن. وعليه فإننا لا نتوقع أن تكون العلاقات الأمريكية مع بلدان الربيع العربي أو على الأقل مع النخب الإسلامية الحاكمة فيها طبيعية لأسباب عدة، وهذا لا يعني عدم قدرتها -أي واشنطن- على التعامل معها من منطلقات براغماتية صرفة. ننتقل إلى بلدان الخليج العربي التي سبقت بلدان الربيع العربي في الانتقال من الإسلاموفوبيا إلى الأمريكافوبيا، وهي ظاهرة يمكن رصد تطورها منذ مطلع العام 2011 وحتى الآن. واشنطن باتت غير مقبولة شعبياً لتكوّن قناعات شعبية أولاً تقوم على الأمريكافوبيا. ولكن الجماهير في دول الخليج لم تتح لها الفرصة حتى الآن لاختبار قناعاتها كما أتيح المجال للجماهير المصرية أو الليبية خلال الأيام القليلة الماضية، وهو أمر وارد في أي وقت، وعندها سيكون المشهد العربي أكثر وضوحاً مما نتوقع.