لايزال النأي بالأطفال عن المشاركة في التحركات السياسية يمثِّل موضوعاً جدلياً في أوساط التربويين والنفسانيين، وتحديّاً حقيقياً للجمعيات والمؤسّسات المهتمة بشؤون الطفولة، وقد بيّنت الأحداث الأخيرة المؤسفة التي عانى منها أبناء الوطن كافةً، بمختلف انتماءاتهم الفكرية والمذهبيّة، أن إشراك الطلبة صغار السن في المسيرات في الشوارع، وحملهم في شاحنات، والانتقال بهم من مكان إلى آخر، قد عرّض سلامتهم النفسية والجسدية للخطر، خصوصاً أن كثيراً من هؤلاء الأطفال كانوا يهيمون على وجوههم في الشوارع غير مدركين لطبيعة هذه المشاركة، ويحملون لافتات لا يفقهون مغزاها، وهو ما أكّده التقرير الذي أصدرته مؤخراً وزارة التربية والتعليم على شكل كتيِّب يوضِّح مدى تأثّر التعليم بالأزمة التي مرّت بها مملكة البحرين. أتصوّر أن هناك مجموعة من الأسباب والعوامل التي تفاعلت وأدّت إلى إدماج الأطفال قسراً في عالم السياسة، والسبب الأول هو تسييس الحياة العامة في البلاد، فلا يوجد خبر ينتشر بسرعة البرق ويصل إلى القاصي والداني أكثر من الخبر السياسي الطازج، وبالأخص إذا كان يتعلّق بإصابة مواطن في واقعة ذات طبيعة سياسية، وللأسف بات مدى اهتمام الفرد بهذا الخبر، ودرجة إلمامه بتفاصيله، معياراً أساسياً "لنضجه” السياسي، ولمدى "اكتراثه” بهموم الناس. السبب الثاني هو التحشيد الأيديولوجي المستمر الذي يتعرّض له الطفل في كنف البيئة الأسرية والاجتماعية، وقد لا يكون هذا الفعل موجّهاً بالضرورة لشخصِه مباشرةً، لكنه يتأثر به بشدّةٍ بحكم متطلبات مرحلة النمو التي يمر بها، بالذات عند الانتقال من الطفولة إلى المراهقة المبكِّرة، وبسبب قلة خبرته بشؤون الحياة. فالمناقشات اليومية التي تدور بين المراهقين قد تدفع الطفل أحياناً إلى ارتكاب أفعال عنيفة كرد فعل تلقائي على الأوضاع والممارسات السياسية. والسبب الثالث هو نوعيّة البرامج الموجّهة للأطفال، حيث إن معظم الفضائيات العربيّة لا تعتمد توزيعاً صحيحاً للأوقات المناسبة لبرامجها الموجّهة للصغار، ولا تهتّم بتقديم البرامج التعليمية والترفيهية التي تساهم في تثقيف الأطفال، وحثّهم على قول الحق والصدق وأداء العمل الصالح، وتنمية قيم التسامح بدلاً من التعصّب، وتشجيع الطفل على كره العنف والابتعاد عنه! أستاذ التربية بجامعة البحرين