لا تريد الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إرهاصات الربيع العربي أن تحدد الشعوب والدول العربية وجهتها في الحُكم وفي اختيار مصيرها، فهي مازالت تصر على أن تُبقي لها قدماً في الأحداث السياسية التي يشهدها الوطن العربي، وأن تكون لها بصمة واضحة المعالم في الشكل النهائي المرسوم في مخيلتها للدول العربية، بل هي تحاول جاهدة بألا تتدخل الشعوب والأنظمة في شكل القرار الأخير لرسم مستقبل دولهم، فقط هي من يملك الحق في ذلك!!.إن ما تدَّعيه الولايات المتحدة الأمريكية، في كونها محررة الشعوب من الاستبداد، وفي كونها الحاضنة والراعية الأولى للديمقراطية في العالم الحديث، كله نوع من الهراء، فهي ترسم واقع العرب وتفصِّله حسب مصالحها وأجندتها الخاصة، ولهذا فإن خططها انكشفتْ بعد الربيع العربي، وأنها كانت ومازالت تلعب على الحبلين، حبل الأنظمة وحبل الشعوب، وفي كلتا الحالتين، هي الرابح الأكبر من هذه العملية المزدوجة، بينما هناك من الأنظمة والشعوب من يؤمن بها حَكَمَاً ومُشْرِفاً على العملية الديمقراطية الزائفة.في تصورنا القاصر، بأن الموقف الإيجابي الذي يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تتبناه اليوم، هو أن تحدد مواقفها وفق القيم والمبادئ الديمقراطية التي تجري على أراضيها، وأن تتبنى كل ما من شأنه أن يحافظ على نسيج وطننا العربي، وعلى أمنه وسلامته، وأن تتخلى عن الازدواجية الساقطة، وألا يكون تسريب النفط لواشنطن عبر البوابة الخلفية للوطن العربي، حين ينشغل أهله بالفتن والمعارك بين بعضهم البعض هو غاية الغايات.من الطبيعي جداً، وليس بالأمر المدهش، أن تميل واشنطن صوب مصالحها الاستراتيجية والنفطية، لكن من الإنصاف أيضاً، أن تدعنا نتصرف بطريقة نحافظ من خلالها على مصالحنا ومكتسباتنا، وأن تترك لنا فسحة للعيش والأمل، فالوطن العربي وما فيه وما يحتويه هو في النهاية مُلك لنا، وليس لها، ولهذا فإن كل القرارات التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية بشأن العرب، كلها تندرج تحت مسمى التدخلات الأجنبية، مهما اتفقنا، بأنها حليف استراتيجي للعرب، لكن حين تكون المُفاضلة بين أن تتجه واشنطن نحو مصالحها أو نحو مصالحنا، فإنها بلا أدنى شك، ستختار مصالحها، وهذا ما لمسناه بوضوح بعد دخول العرب ربيعهم.من الممكن لواشنطن أن تتدخل كوسيط خير بين الشعوب والأنظمة، كما من الممكن لها أيضاً أن تقدم النصح والتوجيه وفق مصالحنا السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، كما يمكن لها أن تقدم الدعم للعرب بطريقة واضحة لا لبس فيها ولا ريب، لكن أن تتدخل في رسم مصيرنا بشكل كلِّي، فهذا أمر مرفوض للغاية، كما إنه مناف للقيم الديمقراطية التي تتشدق بها واشنطن، وتدعو إليها كل صبح ومساء.نحن كعرب، نطالب أمريكا أن تتعامل بوضوح معنا، وأن تترك مساحة ملائمة لمصالحنا، والأهم من كل ذلك، ويا ليت هذا يكون، لو ترفع يدها قليلاً من فوق صدورنا، لنقرر مصيرنا بأنفسنا، لكي نبيِّن لها بأننا نستطيع أن ندير قضايانا من دون تدخلاتها الكريهة، ومهما حصل من تجاذبات بين الحاكم والمحكوم، سنظل نحن وأبناؤنا من سيعيش على هذه الأرض العربية، ولهذا من حقنا أن نحدد شكل الحكم وفق ما تقتضيه المصلحة لا وفق ما تقتضيه المفسدة، فارحمينا يا واشنطن، واتركينا نفكر بمستقبلنا ومستقبل أجيالنا بطريقة مستقلة حرة نزيهة، فنكون لكِ من الشاكرين، ويا دار ما دخلك شر.
Opinion
ويا دار ما دخلك شر
02 يوليو 2012