مشكلة موظفي الإعلام الذين اعتصموا بالأمس في البحير هي قمة جبل الجليد الذي ستواجهه الدولة في السنوات القادمة، والاستعداد لها مهمة الدولة ككل بسلطاتها الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية -إن استدعى الأمر-، ونتمنى أن تحل بين السلطتين ولا تصل للقضاء.فالإجماع على وجود تضخم عمالة في الحكومة، والإجماع على وجود نسبة كبيرة منهم على وشك التقاعد، إجماع يعفينا من شرح المشكلة عن كل وزارة على حدة، ولكن لنعطِ صورة مقربة من خلال ما يحدث في هيئة إذاعة وتلفزيون البحرين كي نقرب الصورة للقارئ وللمسؤولين عما سيحدث في بقية الوزارات قريباً إن لم نجد لهذه المشكلة حلاً جذرياً.الهيئة ضحية تخبط وعدم استعداد للمرحلة الانتقالية التي تقتضيها انتقال وزارة كوزارة الإعلام إلى هيئة مستقلة، والحكومة لديها طموحها لنقل العديد من الوزارات والهيئات والمؤسسات إلى حالة الاستقلال ومشاركة القطاع الخاص في إدارة العديد من أقسامها من خلال خصخصة تلك الأقسام، وذلك حلم نتمنى إنجازه، إنما الذي حدث لموظفي الهيئة هو ما سيواجهه موظفو الحكومة في باقي المؤسسات، وهو ما سيواجهه الموظفون في الحكومة، وهو ما ستواجهه السلطتان التشريعية والتنفيذية إن لم تستعد له، والعدد البسيط الذي وقف بالأمس أمام مسجد شيخان في البحير سيتضاعف، وماهم سوى قمة جبل الجليد الذي سنرى قاعدته الضخمة قريباً.فالحكومة عندما أرادات أن تقلص عدد العمالة في هيئة الإذاعة والتلفزيون، وأرادت أن تغلق بعض الأقسام وتعطيها للقطاع الخاص كي يديرها حسب الخطة، طلبت من الهيئة تقديم تصور ودراسة، فقدمت الهيئة إحصائية مفادها أن 48% من موظفي الهيئة، أي ما يقارب النصف تماماً من موظفيها أعمارهم تجاوزت الخمسين عاماً أو تجاوزوا 25 سنة خدمة!! أي على وشك التقاعد، وأن شراء سنوات خدمة لربع الموظفين 25% منهم كحل جزئي يكلف الدولة 3 ملايين دينار و800 ألف، وللعلم فإن عدد موظفي الهيئة ما يقارب 1200 موظف لا تحتاج الهيئة إلا لأربعين في المائة فقط من هذا العدد، وبإمكان الهيئة أن تدير أعمالها.هذه المشكلة واجهت الحكومة في الطيران المدني وفي الموانئ حين أرادت تحويل هذه المؤسسات الحكومية لهيئات مستقلة، وحينها تعاونت السلطة التشريعية والتنفيذية وأقرت قانون الخصخصة الذي يشجع الموظفين على القبول بالتسويات والخروج بسهولة دون تعقيدات، وطبقت الحكومة القانون والتزمت به لموظفي الطيران المدني والموانئ بتسويات مناسبة شجعت قدامى الموظفين على طلب التقاعد، فمنحوا مكافأة نهاية خدمة وتم شراء سنوات تقاعد لهم، فكان (البكج) مناسباً لهم، لكن يبدو أن السلطة التنفيذية بعدها (تحسفت)!!إذ اكتشفت أن التسويات ستكلفها الكثير، وأن السبحة ستكر والعديد من المؤسسات بحاجة لتوظيف دماء جديدة أو بحاجة لغلق بعض الأقسام وتحويلها للقطاع الخاص، وأن كلفة تطبيق ذلك عالية جداً وليس هناك اعتماد مالي لتغطية نفقات هذه التحولات في الميزانية، فتم تعطيل القانون والعودة إلى الوضع القديم، وجاءت الضربة في رأس موظفي الإعلام!فحين بدأت هيئة الإذاعة والتلفزيون بالدفعة الأولى وقدمت طلب غلق بعض الأقسام وتسوية إنهاء خدمة بعض الموظفين، قامت الحكومة بتعطيل القانون الذي طبق على موظفي الموانئ والطيران المدني وعادت للإجراءات القديمة، وقدمت لهم تسويات لا تسمن ولا تغني من جوع، وهاهم يرفضون التسوية ويعتصمون ويطالبون بالعودة لتطبيق القانون الذي طبق من قبل على موظفي الموانئ وموظفي الطيران المدني، وبعد أن حفيت أقدامهم بين الشكوى لنوابهم والشكوى للسلطة التنفيذية دون حل لجؤوا للقضاء.ما يجري الأن لإعادة هيكلة هيئة الإذاعة والتلفزيون هو ترقيع غير قابل للتنفيذ بسبب عدم إنفاذ القانون وعدم اعتماد ميزانية، وهو تخبط وعدم تنسيق بين ديوان الخدمة المدنية وبين وزارة المالية وستواجهه بقية الوزارات، فديوان الخدمة أعطى الضوء الأخضر للهيئة بأن توظف أو تثبت عدداً جديداً، لكنه قال للهيئة دبري ميزانية توظيفهم!! وقال لها بإمكانك شراء سنوات الخدمة لمن تريدين إنهاء خدماته، لكن دبري ميزانية شرائها!! السؤال من أين؟! لقد عدنا للمربع رقم واحد إذاً؛ مشكلة هؤلاء الستة والعشرين هي قمة لجبل الجليد الذي ستواجهه السلطتان، وها هم لجؤوا للقضاء بعد أن استنفذوا كل الوسائل مع السلطتين التشريعية والتنفيذية.الحل لابد أن يكون جذرياً وعاماً وبخطة شاملة تعمل على إعادة هيكلة السلطة التنفيذية بالكامل، ويحتاج الأمر لوضع تصور لهذه الإعادة وتحديد فترة زمنية لتنفيذها وفتح اعتماد في الميزانية يمنع وصول قضايا التسويات للمحاكم وإقحام السلطة القضائية.لا يجب أن يلقى على كاهل الخدمة المدنية أو كاهل الوزارات ترقيع المشكلة، ولا حتى وزارة المالية، بل يجب أن يكون هناك اتفاق بين السلطة التشريعية والتنفيذية قبل موعد إقرار الميزانية الجديدة وقبل إقرار مجلس النواب لبرنامج الحكومة الجديد للنظر في هذه المشكلة بشكل شامل وتحديد الوجهة التي ستسير بها الحكومة.أما هذا الترقيع وإلقاء المشكلة فما هو سوى كرة جليدية تتقاذفها المالية والخدمة المدنية والوزارات ستطيح بالكل خلال السنوات القادمة.