الشجرة التي غرسها الاستعمار البريطاني في البحرين، وفي كل الدول التي استعمرتها الإمبراطورية البريطانية، اسمها "الطائفية”، وهي بمثابة سلاح أقوى فعلاً من القنبلة النووية، وهي جيش لا يحتاج إلى أكثر من إشاعة مغرضة أو تبني موقف مناوئ للطرف الآخر. فقد زرعت بريطانيا في أرضنا قبل رحيلها العسكري قبل اثنين وأربعين عاماً وحتى أثناء وجودها طائفية سياسية ودينية واجتماعية بين الشعب البحريني، إلا أن الشعب البحريني بوحدته الوطنية وبثقافته القومية وبوعيه السياسي وبملكاته الثقافية والفكرية استطاع أن ينتصر على هذه الطائفية ويوأد هذه الفتنة ويحقق الوحدة الوطنية بين جميع أبنائه. هذه الفتنة التي أيقظتها الدولة الإيرانية وعجلت كثيراً بما مر بالبحرين من أحداث، وغذتها أكثر بالسموم الطائفية تحت ذريعة الدفاع عن أبناء الشيعة في البحرين!! ونحن في البحرين لا نقيس المواطن البحريني بدينه أو بمذهبه، بل بانتمائه الحقيقي إلى وطنه، فحُب الوطن من الإيمان ومَن لا يحبُ وطنه خالٍ من الإيمان. وهذه الحقيقة التي تغافلت عنها الدولة الإيرانية وذلك بدعمها المستمر للفوضى السياسية والأمنية التي عمت البلاد منذ استيلاء رجال الدين على دفة الدولة الإيرانية في عام 1979.إن الكثير من الأحزاب السياسية الليبرالية والدينية وقعت في فخ مبادئ الدولة الإيرانية "الثورية” والمناهضة للغرب الاستعماري والساعية لنصرة الإنسان في أرجاء الكون. ولقد حذرت ثورة (17 يوليو) في القطر العراقي من مغبة هذه المبادئ وأهدافها الاستعمارية التوسعية، ومؤكدة في الرسائل والوفود التي جالت أقطار الوطن العربي وبالذات الأقطار الخليجية من سوء نية هذا النظام الذي احتل إقليم الأحواز العربي في عام 1925، والجزر العربية الثلاث في عام 1071، وعدوانه على العراق لثمان سنوات (1980 ـ 1988)، وبالمساهمة في احتلاله عام 2003، وبإدارته سياسياً واقتصادياً وأمنياً من طهران لغاية يومنا هذا. إن الفكر الشيعي فكر عربي إسلامي، ولا يختلف في الأهداف والمبادئ عن المذاهب الإسلامية الأخرى، فجميع المذاهب الإسلامية منبعها واحد هو القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وهدفها هو عبادة الله سبحانه وتعالى. وقد أقر الإسلام مبدأ الاجتهاد، وهذه المذاهب هي نتاج الاجتهاد، فالاجتهاد ليس بمثابة الخصومة بقدر ما هو علم من علوم الفقه الإسلامي ولا اعتراض عليه. ويبقى الأمر المُهم.. وهو أن إيران ومنذُ عام 1979م وضعت نفسها ولية أمر المسلمين من الشيعة!! على أساس أن مذهب الدولة هو المذهب الشيعي، وهذا الأمر بمثابة تدخل في شؤون شعوب الدول الأخرى العربية وغير العربية، ولا يحق لإيران أو غيرها من الدول أن تتدخل في شؤون الآخرين الدينية أو السياسية أو الاقتصادية. وعندما قامت الدولة الإيرانية في عام 1979 راهنت على أبناء الشيعة العرب في تحقيق أهدافها التوسعية وفي نشر مبادئها الثورية على اعتبار أن هؤلاء الشيعة سيسيرون وراء نهجها وسيصبحون جنوداً لثورتها ومناصرين لنظامها. ولا ننكر أنه في البداية ومع انفجار الثورة الإيرانية ناصرت شعوب العالم هذه الثورة، وبعد أن وضحت للناس مبادئ هذه الثورة وفهموا طبيعتها أدركوا حقيقة الهدف الأساسي لهذا النظام، وهي حقيقة صادمة لحكام النظام الإيراني. فتبين لاحقاً لجميع الناس أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا التي خلقت الكيان الصهيوني وغذته من حليبها أيضاً هي أوجدت هذا النظام لكونه يخدم مشروعها الاحتكاري الاستعماري في المنطقة العربية، ولهذا السبب أنجزت هذه الدول مجتمعة جريمتها في احتلال العراق وتدميره وحرقه.كنا نتمنى ومن قلبنا أن تكون إيران وطناً جميلاً للإيرانيين، ودولة مناصرة لقضايانا العربية، وعوناً لحقوقنا الترابية المغتصبة، لكونها دولة شقيقتنا في الدين والجوار. لكن.. مع الأسف أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، فقد وضعت إيران الطائفية كأحد مبادئها الدستورية لأنها ترى وتؤمن بها كعقيدة مشتقة من الدين الإسلامي في نفس الوقت إنها تستخدمها كغطاء لبناء أمجادها الفارسية الغابرة على حساب العرب وأراضيهم، وحتى الذين تستخدمهم الآن الدولة الإيرانية وقوداً لمشاريعها وراهنت عليهم لتحقيق مشاريعها الطائفية فإن هؤلاء لاحقاً سيهجرون هذا النظام بعد أن تبينت لهم الحقائق أكثر وأكثر عن مساوئ هذا النظام، فهؤلاء لن يرضوا بتمزيق وحدة شعبهم الوطنية وتحويله إلى طوائف وتكوينات عرقية، خاصة بعد أن فشلت تجربة إيران الطائفية في العراق. وهذا ما سيجعل من هذه الدولة كغمامة طارئة ستمضي مع أول صعقة برق وصوت رعد.ولاشك أن لحظة المواجهة بين الشعب العراقي وقواه الوطنية والقومية مع العناصر الإيرانية في العراق قادمة، كما هو موقف أبناء الشيعة العرب في البحرين وفي الأقطار العربية والخليجية من الدولة الإيرانية التي ناصبت العداء للإنسان العربي، والنتيجة الحتمية لهذه المواجهة والمواقف العربية هي اجتثاث أوكار هذا النظام في أقطارنا العربية وستخسر إيران مواطئ أقدامها على تراب البحرين وسوريا ولبنان وفي كل بلدان المشرق العربي، وهذا يعني خسارة رهانها على شعب رهن نفسه لوطنه ولذاته ولأهدافه العربية ورسالتها المجيدة. وبذلك ستنتصر وحدتنا الوطنية والقومية وسيخسر الرهان الطائفي.