مضى اليوم نحو عام ونصف العام على تداعيات أزمة فبراير، ومازالت الدولة تراوح مكانها، ولا يبدو أن هناك مساعي جادة للاستفادة من الدروس العظيمة من وراء هذه الأزمة القاسية. فإذا مررنا بهكذا أزمة ولم نتعلم منها ولم نستفد منها فلا قيمة لنا ولا قيمة للدولة البحرينية. اليوم تتزايد الاعتداءات الإرهابية على رجال الأمن وتحديداً الدوريات الأمنية يوماً بعد آخر في ظل استمرار عدم محاسبة المتورطين فيها لإدراكهم بتجاهل الدولة والسلطات المعنية لمثل هذه الجرائم فمن أمن العقوبة أساء الأدب وتمادى في جرمه أكثر فأكثر. قبل فترة كان اللوم يلقى دائماً على القانون وضعف عقوباته المتعلقة بالاعتداء على رجال الأمن وهو ما دفع النواب والشوريين إلى إجراء تعديلات تشريعية عاجلة على قانون العقوبات لتشديد عقوبات الاعتداء على رجال الأمن وهي التعديلات التي صدرت في شكل قانون مؤخراً. ولكن لا يبدو أن التعديلات الأخيرة على القانون ساهمت في إنهاء حالة الاعتداءات المستمرة على رجال الأمن، مما يعكس وجود خلل في إحدى أطراف الموضوع. فأين الخلل تحديداً؟وزارة الداخلية تقوم بدورها في حفظ الأمن وتتعرض لاعتداءات من إرهابيين، فهل لديها المعلومات الكافية للقبض على الإرهابيين الذين اعتدوا على رجال الأمن؟ وكم عدد الاعتداءات التي تعرّض لها رجال الأمن حتى الآن؟ بالمقابل كم عدد الإرهابيين الذين تم القبض عليهم بتهمة الاعتداء على رجال الأمن؟ وهل تمت إحالتهم للنيابة العامة وقدمتهم الأخيرة للقضاء؟ معلومات مازالت غير معروفة. النيابة العامة طرف آخر في الحلقة المفقودة لتفعيل المنظومة القانونية، هل قامت بدورها وحققت مباشرة في قضايا الاعتداءات على رجال الأمن؟ وإذا حققت بالفعل فكم عدد هذه القضايا؟ وكم تستغرق عملية التحقيق؟الجهاز القضائي الذي مازال ينظر في الكثير من القضايا المتعلقة بأحداث فبراير ومارس 2011 ولم يحسم معظمها بأحكامه العادلة، كم هي القضايا التي أحيلت له من قضايا الاعتداء على رجال الأمن؟ وما هي الإجراءات التي قام بها لضمان إسراع النظر في هذه القضايا؟ إذا لم تكن لدى القضاء الصلاحيات والآليات التي تكفل تحقيق القانون وضمان سيادته فإنها بالفعل مشكلة وتحدٍ كبير يواجه السلطة القضائية. فليس مقبولاً أن تواجه الدولة اضطرابات أمنية منذ فبراير 2011 وحتى الآن ومازال القضاء يؤجل القضية تلو الأخرى حتى إشعار آخر، لدرجة أنه من غير المعلومات متى سينتهي الإطار الزمني لإنهاء كافة القضايا المتعلقة بالأزمة!الدولة البريطانية عندما واجهت أعمال إرهاب وشغب العام الماضي جنّدت كافة قدراتها في السلطة القضائية للتحقيق وإجراء محاكمات عادلة للمتورطين في تلك الأعمال، وكانت الكثير من القضايا يُبت فيها وتصدر أحكامها خلال 48 ساعة إن لم تكن أقل، وصُرفت للقضاة البريطانيين رواتب العمل الإضافي لضمان سرعة التقاضي حتى يُصان القانون وتحفظ هيبة الدولة. بالمقابل فإن تطبيق القانون في البحرين يتم من خلال النظر في المحاكم التي استغرقت شهوراً طويلة، ولم تصدر معظمها أحكاماً على قضايا الأزمة. في الوقت نفسه ورغم الظروف الاستثنائية التي شهدتها الدولة فإن الإجازة القضائية السنوية للقضاة استمرت والتي تدوم عادة شهراً ونصف الشهر، وهذا الحال في العام الماضي بعد الأزمة خلال 2011، والآن في العام الجاري 2012. ولذلك لا نستغرب أن تكون النتيجة التأجيل ثم التأجيل، بعدها تتراجع سيادة القانون لعدم تطبيقه، وتراجع هيبة الدولة!أين دور المجلس الأعلى للقضاء؟ وهل يدرك تداعيات أزمة الخلل في تطبيق القانون؟ وهل طرح هذه المسألة ضمن أجندة اجتماعاته الدورية التي لا نعلم متى عقد آخرها؟ لا أعتقد من الإنصاف انتقاد أعضاء السلطة التشريعية لأنهم مثل المواطنين الذين ينتظرون تطبيق القانون الذين أدركوا ضعف عقوباته فأجروا تعديلات عاجلة عليه، والآن يرون عدم تطبيق تلك العقوبات المغلظة التي قاموا بتشريعها مؤخراً. فماذا يفعلون إذا لم تقم السلطة التنفيذية بدورها، ولم تقم السلطة القضائية أيضاً بدورها؟!لسنا بحاجة لاستعراض ما يتناقله المواطنون، وتزايد الاستياء بينهم نتيجة عدم تطبيق القانون وقناعتهم بأن الدولة لم تستفد فعلاً من الأزمة التي مرّت بها، وهو ما يدفعهم للتفكير جدياً في خيارات أخرى.في النهاية تبقى الدولة البحرينية بلا قانون حتى إشعار آخر!