«القانون يطبق على الجميع سواسية دون تفريق ودون أية اعتبارات تمييزية”.جملة جميلة جداً، لكن جماليتها محدودة كونها جملة "ترن” على الورق فقط، باعتبار أنها "غير قابلة للتفعيل” بالحرف في الواقع.لسنا نتجنى هنا، لكن الشواهد تفيد بأن القانون لدينا "غير”، وتطبيقه لدينا "غير”، وكلمة "سواسية” لها تعريف أيضاً "غير”.لن أتحدث عن تطبيق القانون الذي مازال المخلصون يطالبون به، إذ يفترض بأن هذه المطالبات قد وصلت منذ زمن إلى من يعنيه الأمر، بل سأتحدث عن القانون المنصوص عليه والمتفق عليه بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والمصدق عليه من رأس السلطات، والذي يفترض بأن تطبيقه مسألة لا خلاف عليها، بل تطبيقه أمر مطلوب وملزم.خذوا قانون الجمعيات والمسيرات على سبيل المثال، خاصة وأننا نشهد هذه الأيام "موضة صيفية جديدة” عبر الدعوة لمسيرات "انشطارية” في مواقع حيوية، لالإيصال مطالب معيشية بطريقة سلمية وحضارية، بل لإعادة إحياء طقوس الدوار، وإعادة "شحن” الناس مرة أخرى وتحشيدهم ضد الدولة.ما نقرأه ويصل لمسامعنا هي تصريحات وزارة الداخلية المعنية بالحفاظ على الأمن والنظام وضمان ألا تتسبب هذه المسيرات بعرقلة الحياة العادية للناس، وألا تنحرف عن مسارها وتتحول لمصادمات، وكل تصريح يفيد بأن هناك "انحرافات” شهدتها هذه المسيرات، وآخر التصريحات يفيد بأن المنظمين لها "غير قادرين” على ضبطها والسيطرة عليها.عملية "السيطرة عليها” لا أعتقد بأنها من أولويات منظمي هذه المسيرات، إذ واضح تماماً بأن هدفهم هو إشاعة أجواء فوضى وتعطيل لمسيرة الحياة الطبيعية، وإن كان العكس فلم الدعوة لعشر مسيرات في نفس الوقت بدلاً من تجمع واحد فيه "مهرجان خطابي تحريضي” كالعادة؟!المسألة واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج أية تفسيرات، الحنين للدوار وما تضمنه من روح عدائية ضد الدولة وتعطيل للحياة الطبيعية في البحرين.لست أتحدث عن نواياهم هنا باعتبارها واضحة ومفهومة، لكن نتحدث عن القانون المفترض تطبيقه، إذ بالعودة لقانون الجمعيات السياسية وربطه بقانون التجمعات والمسيرات، وكلاهما قانونان كانا نتيجة لعمل السلطة التشريعية، هل ما يحصل اليوم من ممارسات مخالف للقانون؟! وأعني تحديداً ما يصدر عن فرع حزب الله الإرهابي في البحرين؟! سؤال ينبغي أن نتحصل على إجابة عليه من قبل الجهة المعنية بتطبيق القانون، ويفترض أن تكون إجابة واضحة حتى لا يقال بأن تطبيق القانون "يختلف” و«يتغير” من حالة عن أخرى.نريد إجابة صريحة، إذ حالة الشتات الذهني بدأت تزيد خاصة حينما نقارن حالات بأخرى، في الأولى تم تطبيق القانون رغم أن ضررها وتجاوزاتها ليست بجسامة الحالة الأخرى، أو هكذا نفهم.هل تذكرون الحكم الصادر بحل جمعية العمل الإسلامي (أمل)، وبيان مكتب شؤون الجمعيات السياسية بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف في التاسع من هذا الشهر؟!يقول البيان بأن جمعية العمل الإسلامي "تشكل نموذجاً صارخاً لحالة التجاوز والخرق للقوانين وأعراف العمل السياسي السلمي، ويأتي الحكم (...) بعد تسجيل الكثير من المخالفات الجسيمة والمستمرة التي ارتكبتها الجمعية، والتي شكلت هذه المخالفات في مجملها خروجاً كلياً عن مبادئ وأهداف العمل السياسي المشروع”.البيان أورد المخالفات التالية التي ارتكبتها (أمل) وعلى ضوئها صدر حكم قضائي بحلها:- عدم عقد المؤتمر العام للجمعية خلال مدة تزيد على أربعة سنوات.- ترتب بطلان مؤتمرها إثر إقامته في دار عبادة.- تبعية قرارات الجمعية لمرجعية دينية عدائية تدعو إلى العنف صراحة والحض على الكراهية.- مرجعية الجمعية تعتبرها الأخيرة أنها فوق الدستور وفقاً لتصريحات مسؤوليها.- مخالفات ذات علاقة بالوضع المالي لها، وعدم موافاة الوزارة بنسخة من الموازنة السنوية للجمعية طبقاً للإجراءات المحددة قانوناً.الآن، لو تمعنا في المخالفات التي قامت بها (أمل) بحسب قانون الجمعيات السياسية، والمخالفات بحسب قانون التجمعات والمسيرات، ومقارنته بالمخالفات التي تقوم بها الوفاق من خلال مسيراتها وتجمعاتها وتصريحاتها، والتمعن في الحكم الصادر بحق جمعية العمل الإسلامي وملاحظة عدم وجود أية أحكام بحق الوفاق رغم أن جسامة وفداحة أفعال الأخيرة تطغى على تجاوزات العمل الإسلامي بعشرات المرات، بالتالي هل نحن أمام حالة متساوية في تطبيق القانون؟!قد يقول قائل بأن كل حالة تختلف عن الأخرى، لكننا نبحث في المبررات التي سيقت والتي تشرح التصرفات خاصة المعنية بالتبعية لمرجعية دينية تدعو للعنف والحض على الكراهية، ونبحث عن الفارق! هل نسيتم "اسحقوهم” بهذه السرعة يا جماعة؟!لسنا نقول بأن "حلوا” الجمعيات التي تحرض صراحة ضد النظام، بل نسأل لماذا القانون يطبق على هذه الحالة ولا يطبق على تلك؟! أليس الجميع سواسية أمام القانون؟! اتجاه معاكس:حينما يأتي الحديث عن الشقيقة السعودية وقوات درع الجزيرة وفكرة الاتحاد، يطلقون عقيرتهم بالصراخ ويقولون بأن هناك احتلالاً وأن البحرين يجب أن تكون مستقلة، ويرفضون أي كلام بشأن أخوة العروبة و«الخلجنة” والدين مع السعودية.لكن حينما ترتبط المسألة بمحرض "معمم” وقف على منبر الرسول ليلقي بالبذاءات بحق رجل فاضل عروبي مثل الأمير نايف رحمه الله، وحينما يضرب على صدره مثل "النمر” الجسور وبعدها يهرب من القانون قبل أن يقبض عليه، يخرج علينا أتباع "الولي الفقيه” ببيانات ولاء وتضامن ويهتفون بأنهم ومن على "مذهبهم” هم "شعب واحد لا شعبين”، ماذا عسانا نقول هنا عن هتافات "الاتحاد الطائفي”؟! المضحك المبكي أنهم حينما ينفون عنهم الطائفية، تتضح صراحة في وجوههم وكلماتهم وكل تصرفاتهم وتتساقط منهم مثل حبات المطر.
Opinion
تطـــبـــيـــق القانون .. «ناس وناس»؟!
14 يوليو 2012