نودع شهر رمضان المبارك لعام 1433هـ ــ 2012م ولياليه الفضيلة ولحظته الجميلة، لقد ربح فيه الصائمون، ونال من جوائزه القائمون. بجانب أنه شهر الرحمة والمغفرة كان شهراً للتواصل الاجتماعي بين الأهل والأقارب والأصدقاء والمعارف وسائر أبناء المجتمع، ودعنا شهر التواصل والصدقات. كانت الثلاثين قليلة في أيامها، وقصيرة تلك لياليها، ولكن من اغترف منها نال الكثير والكثير من الجزاء والثواب، ومسكين ذلك من فاته ذلك. لقد استمتعنا بشهر رمضان، وما زالت أقطارنا العربية تعيش ما تبقى من ربيعها العربي الذي أثمر عن كثير التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما زالت هذه الأقطار تبحث عن محطة الديمقراطية في قطارها الذي ما يزال يسير باتجاه عكس ما تمنته من الآمال والتطلعات العربية من ذلك الربيع.وهذا هو يوم العيد قد أطل علينا وما زالت أرضنا العربية وأرضنا البحرينية صائمة عن الأمن والسلام، وما زالت الدماء العربية تسفك في سوريا، وفي أرض سيناء، وما زالت جثث الضحايا تتناثر من جراء التفجيرات المفتعلة في الكثير من محافظات العراق واليمن، وما زالت الأرض ملتهبة في الأردن ولبنان والسودان كأنها تنتظر دماء أبنائها لإطفاء ذلك اللهب، وما زالت الفتن الطائفية تستعر في أقطار عربية أخرى. لقد كان هدف هذا الربيع هو تحقيق التغيير، التغيير إلى الأفضل، الانتقال من الاستبداد السياسي إلى الديمقراطية الموعودة، ولكن هذا الربيع قد غير وجه وشكل الاستبداد بشخوص أخرى وبمفاهيم أخرى وبنفس المصطلحات. ولم يكن ربيعاً صادقاً مع النفس العربية الذي لم يرتق بها ويسمو بذاتها الوطنية والإنسانية.إن العيد ليس مجرد احتفال وتهاني بل هو مدرسة إيمانية اجتماعية إنسانية، تحوي الكثير من المناهج والدروس التي يجب أن يستفيد منها الإنسان في حياته لنفسه، ولأهله، ولمجتمعه، ولوطنه، وللإنسانية جمعاء، وبالرغم من أنه العيد الصغير إلا أنه يحمل الكثير من المعاني الكبيرة والعظيمة، منها التضامن والتحرر من الشهوات والأنانية والالتزام بحماية مجتمعه ووطنه من كل المساوئ والمكاره، والتعاون مع الآخرين. وإن لم يستطع الإنسان أن يصفي جسمه وقلبه من الشوائب في شهر رمضان المبارك فإن العيد يَعد مناسبة وفرصة كبيرة لأن يصفي الإنسان نفسه من كل الشوائب الاجتماعية العالقة به سواء مع نفسه أو مع الآخرين.لقد مرت على الأقطار العربية ووطننا البحريني الكثير من المِحن، إلا أنها كانت بمثابة امتحان صعب على هذه الأمة وشعبها العربي، وبالرغم من الصعوبات التي واجهها البحرينيون في تحقيق مبدأ التواصل مع أهاليهم وأحبتهم وأبناء شعبهم ليلاً بسبب اشتعال الحرائق وإلقاء العثرات في الطرقات إلا أن الكثير من البحرينيين استطاعوا أن يكسروا هذا الحاجز ويتواصلوا مع الآخرين، فانظروا إلى اختلاف الهدفين ومبدأ الأفعال "التواصل الاجتماعي الإنساني وإلقاء العثرات وإشعال الحرائق” فأيهما كان على حق ؟ وأيهما انتصر وغدا نافعاً وضوئه كان ساطعاً؟؟ إنه بجانب أمر التعبد والتقرب إلى الله في الطاعات والأعمال في شهر رمضان المبارك أيضاً هناك عبادة أخرى ألا وهي حُب الوطن، فحب الوطن من الإيمان، وإذا اتحدت قلوبنا مع السماء في شهر المغفرة والرحمة فلابد أيضاً أن تتحد أجسامنا وقلوبنا كمواطنين في وطنٍ واحد، فمثلما كنا متحدين في الصوم في شهرٍ واحد وفي وقتٍ محددٍ واحد، أيضاً علينا أن نتحد ونحقق آمالنا وتطلعاتنا في وحدتنا الوطنية التي فقدناها، بسبب تداعيات أحداث الربيع العربي، هذه الوحدة التي يجب أن ترتقي إلى مستوى تحديات الوطن والمخاطر التي يعيشها، وتتكاتف جهود كل القوى الوطنية والمهنية والحقوقية باختلاف أطيافها السياسية دون متاريس سياسية أو حواجز دينية ومذهبية. وقد آن الأوان لنفتح صفحة جديدة بين ذاتنا وبيننا ومع شعبنا ووطننا، ونقول عيد مبارك للوطن ولقيادته وعيد مبارك لشعبه ولجميع المقيمين على أرضه، ولنتذكر في هذا العيد وفي كل مناسبة جميلة أن البحرين اليوم بحاجة إلى كافة أبنائها، الذين يعيشون في الداخل والمغتربين في الخارج، المحبين لها والذين في قلوبهم شيئاً عليها، فالوطن مُحب للجميع ويحتضن الجميع، وهل هناك أجمل من مناسبة العيد لكي يتصالح الإنسان مع ذاته والآخرين ومع وطنه؟ يجب علينا أن نعيش العيد في الوطن كأمة واحدة يجمع بينها الحُب والمصير المشترك، لا أن نعيش في غربة الاختلاف ونعيق الخلاف، فنكون بذلك ضعيفي القوى وقليلي الحيلة وسنكون حينها شِركاً لقوى الفتنة الداعية إلى الشتات والتأزيم والتفريق بيننا. عيد مبارك بكثير من الوعي وبقليل من التنازلات من أجل أن نعيش معاً متحررين من الضبابية الطائفية، وهي مسؤوليتنا جميعاً قيادة وشعبا وعندما نتيقن من هذه المسؤولية ونعرف مقدار حجمها وفائدتها نستطيع بعون الله العزيز القدير أن نردم فجوات الماضي لنعيش حاضرنا ونسند به مستقبلنا. وكل عام وأنتم بخير
Opinion
عيد مبارك
18 أغسطس 2012