حكى لي أحد الأصدقاء عن قريب له زار إيران قبل عدة أسابيع خلال إجازته السنوية، "والعهدة عليهما” قال: عند تجواله في السوق التجاري في طهران أن العديد من المواطنين الإيرانيين العاديين عندما يعرفون أنه بحريني يسرون له في إذنه قائلين "حكومة بحرين خيلي خوب” أي أن حكومة البحرين ممتازة.ويهمس له البعض الآخر: "لا تصدقوا سياسيينا فيما يدعونه وفيما يقولونه، بل حافظوا على حكومتكم وعلى دولتكم، حتى لا يصيبكم ما أصابنا من بلاء مقيم”.وحكى لي صديق آخر "والعهدة عليه” أنه، وعندما كان في زيارة إلى العراق، خلال الإجازة الصيفية، كان بعض المواطنين العراقيين يستغربون لماذا توجد احتجاجات في البحرين، بالرغم مما ينعم به أهلها من خير، وبالرغم من الخطوات السياسية الإصلاحية التي أقدمت عليها السلطة، مذكرين بالمصير السيئ الذي أصبح عليه العراق بعد الذي حدث فيه، بفعل التآمر الأمريكي الإيراني، فهو عملياً مفكك ومنقسم على نفسه وليس به أمن أو استقرار؟.وأضاف الصديق: تخيل أن أحد المواطنين العاديين "وهو خباز” قد طرح علي، عندما علم أنني من البحرين عدداً من الأسئلة التالية:- أليس عندكم مواد غذائية كافية للسكان؟- قلت: بلى.- قال: أليس عنكم كهرباء وماء وبنزين متوافر دون تقسيط أو طوابير؟- قلت: بلى.- قال: وهل عندكم مستشفيات ومراكز صحية تقدم الخدمات الصحية والأدوية للمواطنين بالمجان؟- قلت: نعم.- قال: أليس عندكم مدارس حكومية مجانية لكافة المواطنين؟ - قلت: بلى.- قال: أليس لديكم شوارع وطرقات سيارة وأرصفة وجسور وأنظمة للمرور والعبور تضمن حركة السير بانتظام؟- قلت: بلى.- قال: أليس لديكم برلمان منتخب ومجالس بلدية منتخبة وحرية تعبير وتنظيم الأحزاب والترشح والانتخاب دون تمييز بين الرجال والنساء؟- قلت: بلى.- قال: وهل عندكم حكومة تستمع إلى الشعب وتتجاوب مع طلباته؟- قلت: نعم.- قال: وهل عندكم حقوق مستقرة ومعلومة؟- قلت: نعم والله وعندنا هذا وأكثر.- قال: إذن فلم الاحتجاج المستمر، ألا يعتبر ذلك نوعاً من الكفر بالنعمة؟؟؟!- قلت: لأن فريقاً منا لا يعجبه كل هذا ويريد ما هو أفضل..- قال: دعهم يعيشون بيننا شهراً واحداً فقط لينعموا بثمار”الديمقراطية” على طريقة الولي الفقيه الطائفية، وسوف يعرفون أنه يجب عليهم أن يترفقوا ببلدهم ويحافظوا على النعمة!!!!وبعيداً عن هاتين الحكايتين، نقول بكل صدق وموضوعية إنه لا يمكن تحقيق رضا الناس كل الناس، فرضاهم غاية لا تدرك، لكن من الإنصاف أيضاً القول بأن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده، إنه ينشد الكرامة والحرية بالإضافة إلى حاجاته الأساسية، ونعتقد أن ذلك لا يتحقق إلا بالمحافظة على توازنات المجتمع عبر التمسّك بمجتمع عادل ومنسجم يجد فيه الجميع مكانا، ولذلك كانت تجربة البحرين منذ مطلع الألفية محاولة مستمرة وصادقة لتأسيس مفهوم التّوازن وتكافؤ الفرص، وكانت رؤية البحرين الاقتصادية محاولة جادة ومخلصة لتحقيق ذلك، وكانت في حاجة إلى فسحة من الوقت والصبر والأناة، لتسهم في بناء المشروع المجتمعي ضمن هذا المنظور: التّوازن في الإصلاح بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية حيث تميّزت بالتّناسق في المقاربة الاقتصادية- السياسية- الاجتماعية، انطلاقا من الإيمان بمبدأ التّلازم بين الإصلاحات السياسية الرّامية إلى إرساء نظام ديمقراطي تعدّدي يضمن الحريّات ويصون حقوق الإنسان، والإصلاحات الاقتصادية التي تنشد تركيز اقتصاد متحرّر تنافسي متفتّح على العالم متوثّب لرفع تحدّيات العولمة والانخراط فيها واستغلال ما تتيحه من إمكانات لخدمة الإنسان، والإصلاحات الاجتماعية التي تتأسّس على تأمين الحقوق الأساسية التي تجسّم العدالة الاجتماعية وتشيع التّضامن والانسجام والاستقرار، فكانت من نتائج هذا التوازن تحسّن جذري وملموس في كافّة المؤشّرات، التي تهمّ تنمية البشرية، حيث حصلت البحرين خلال السنوات القليلة الماضية على مراكز متقدمة في أكثر من مجال وخصوصاً قي مؤشرات التنمية البشرية.إلا أن التحدي الذي واجه هذا المشروع التعددية السياسية، وقد تم توظيفها للإساءة للدولة وللمنجزات التي تحققت، أو للإساءة للوحدة الوطنية وثوابتها، وتحول بعض الجمعيات إلى حصن منيع للطائفية يعمل على تقويض أركان الدّيمقراطية وأسس الدّولة والإطاحة بركائز المجتمع.