لا ينكر أحد أن تجمع الوحدة الوطنية قام في ظروف استثنائية؛ فهل كان نوعاً من الفزعة؟ ربما؛ لكن من الظلم القول إنها فزعة هدفها تثبيت أركان حكم فقط وإن الشعب أراد أو ارتضى أن يكون "كرت لعب” يحترق وتنتهي صلاحيته ما أن يرمى على الطاولة، فزعة القطاع الأكبر من الشارع كانت لأجل وطنه، التواجد يومذاك في ساحة الفاتح كان قضية وفكرة وطن ووجود "أكون أو لا أكون”، ولم يكن يخطر لذهن أي منا أن الفاتح بمشهده الجميل والحالم سيتحول إلى ساحة صراع بين تياراته، كل يريد أن يثبت أنه الأقوى، الأكثر تأثيراً، الأحق بالزعامة، وبالغنائم أياً كانت، حقيقة كنا نتصور هذا الكيان أكثر مناعة من أي مؤثر.للأسف وقع مالم يكن في الحسبان وخاب أملنا؛ سواء تضاربت مصالح داخل التجمع أو تم الإيعاز بتقسيمه من أطراف أخرى، سواء ضعف أداء التجمع في وقت كان ينتظر منه الكثير، أو حدثت انشقاقات في وقت كنا في أمس الحاجة إلى الوحدة، وتأسست مسارات جديدة وهمش التيار الفاتحي الحقيقي المصاب بالعلل هو الآخر، والدكتور عبداللطيف آل محمود أشار بوضوح وفي أكثر من مناسبة لصحوة الفاتح مباشرة وبالاسم أنها أوجدت لغرض ضرب تجمع الوحدة مدللاً على ذلك باختفاء الصحويين مباشرة بعد أداء مهمتهم، صح ذلك الاتهام أم لا فإن الشارع السني لازال يعاني فراغاً سياسياً -هذا واقع- ويجب أن نتساءل لماذا، ونشخص الحالة ثم نعالج. الدكتور عبداللطيف اتهم الجماهير بأنها سلبية نظراً لعزوفها عن المشاركة في فعاليات التجمع وهذا صحيح هناك سلبية واضحة وعزوف واضح، الناس -إضافة لتمتعهم بدرجة عالية من الكسل والتواكل السياسي المزمن- ينتظرون منك أن تكون القائد ومصدر الأخبار والمعلومات ومحلل الأحداث والمترجم والموجه لحظة بلحظة، الناس يحتاجون للتواصل باستمرار وجزئية التواصل ضعيفة عند التجمع، لا يمكنك أن تترك مولوداً خديجاً في "الحضانة” لساعات دون تفقد ورعاية لأنك مشغول بإعداد نفسك أو مواجهة مشكلاتك، خصوصاً وهؤلاء الذين توجهوا لتجمع الفاتح الأول والثاني توجهوا من باب "مجبر أخاك لا بطل” إنما دفعهم الخوف على مستقبل وطنهم وقبل ذلك نعلم جيداً أنهم عاشوا في سلبية بالفعل طول أعمارهم فلا تتوقع منهم كثيراً على المدى القصير. زبدة القول إننا بحاجة للتجمع والتجمع بحاجة لنا اليوم، نحن نحتاج ممثلاً سياسياً يعبر عنا، وهو بدوننا لا شيء، على التجمع أن ينزل للشارع ويكون متواجداً بكثافة ويطبق عملياً ما يقول، ويحشر أنفه في هموم الناس واهتماماتهم يوماً بيوم بل لحظة بلحظة.بالنسبة لي ولكم أقولها؛ قبل عام كان انتماؤك للتجمع عاطفياً، وليد اللحظة والظروف، ونحن نعرف أنفسنا لا لنا في السياسة ولا يحزنون، حدود تفكيرنا السكن والسيارة والبترول ومن أي مطعم عشاؤنا الليلة، وكان موقفك ذاك -أي الذي اتخذته حين سجلت كعضو في التجمع- لا يتعارض بالضرورة مع موقفك "الموالي” وأنت قانع بهذه الموالاة أياً كان معناها، أما اليوم فإن انتماءك للتجمع هو بملء إرادتك وبوعي، أنت قطعاً لست ضمن تيار موالاة، وهذا برنامجهم السياسي وتصريحاتهم واضحة تقول معارضة بناءة ووطنية مع التأكيد على شرعية الحكم طبعاً، نعلم أن هذا يعد رفاهية سياسية لمن اعتاد أن يكون همه الاكتفاء الغذائي في ثلاجة البيت لكننا نستحق هذا الترف خصوصاً أن البلد كما تعلمون لا يقدر الساكت والمؤسسات المحلية والدولية لا تلتفت للمواطن العشوائي غير المنتمي لكيان سياسي، هذا إن أدركت وجوده.قد يكون المارد والكيان الواعد قد ضعف إلى حد تندر البعض بانتخابات جمعيته العمومية، لكني أراه يبدأ اليوم من حيث كان يجب أن يبدأ، أقل عدداً ويتطور تدريجياً، أقل غروراً، وهذا ضروري لاتخاذ القرارات الصائبة، وأكثر استقلالاً برأيه لأنه تخلص من الضغط ودفع تكاليف هذه الاستقلالية غالياً.أمام التجمع اليوم فرص أكثر مما كان لديه وهو تحت الوصاية وقت نشأته، لديه الكثير لكن عليه أن يحدد وجهته عملياً -لا على ورق وحسب- حتى يعرف الناس إلى أين هم ذاهبون معه، وعلى الناس أن يدعموه بأكثر من التضامن المعنوي من بعيد.