تحكي النكتة أن رئيساً في العمل سأل الموظف العامل لديه: "هذا سابع يوم تتأخّر فيه عن الحضور إلى العمل، فماذا باعتقادك يمكنني أن أستنتج من وراء سلوكك هذا؟”، وعلى الفور أجاب الموظف: "بإمكانك أن تستنتج أن اليوم هو الجمعة”!. هذه واحدة من الطرائف التي تفصح عن سلوكٍ عامٍ بات سائداً في عصرنا بين موظفِّي القطاع العام، وهو عدم الاكتراث بقيمة العمل، وغياب المسؤولية المهنية، والبحث عن سبل عدّة للتحايل على القوانين الإدارية وتجاوزها. ويتجلّى هذا السلوك في اعتبار أوقات الدوام الرسمي عبئاً ثقيلاً لا يُطاق، وبالتالي فإن الكثير من الموّظفين يعمدون إلى "إنجاز” بعض الأعمال في ساعات العمل الأولى، والتفرّغ لإضاعة الوقت المتبقي بشتّى الأساليب والحيل المعهودة في انتظار لحظة الانصراف، ومن ضمن تلك الأساليب: الثرثرة، والنميمة، وتناقل الأخبار على الإنترنت، وسوء استغلال ساعات الطعام والراحة. كما إن التمارض والادعاء بوجود ارتباطات شخصية "مهمة” خارج نطاق العمل وخلال ساعاته، كمراجعة دائرة رسمية أو أخذ الأبناء "المرضى” إلى المستشفى، يقلِّل من احتمال وجود الموظّف على مكتبه في أوقات الدوام الرسمي، مما يؤدي إلى تأخير إنجاز الأعمال والمهمات الموكلة للموظف بحكم عمله، وتراكم الطلبات المتأخرة، وتقلّص إنتاجية العمل، الخ.تُرى، لماذا تغيب ثقافة العمل في الدول العربية؟ أعتقد أن السبب الأساسي ربما يكمن في فقدان معنى الانتماء للوظيفة لدى منسوب المهنة، فكل إنسان يقِّر في الأساس بضرورة أن يمارس عملاً صالحاً من أجل خدمة المجتمع، وكسبيل للارتزاق الشريف، لكنه قد لا يكون متأكِّداً من أنه يجب أن يهتم بجودة عمله، فالمهم بالنسبة له هو أن يكون معلوماً عند الناس بأنه يعمل موظّفاً لدى جهةٍ ما، أما بالنسبة لنوعيّة ما يقوم به على وجه التحديد بصفته موظفاً، أي بحكم صلاحيّات مهنته، فهذه مسألة أخرى "تخضع للظروف”، وربما لهذا السبب صارت ظاهرة "الإيهام بالعمل أو الإنجاز”، أي إيحاء الموظّف لرئيسه بأنه يعمل هو السلوك الأكثر شيوعاً، فالقليل من الناس تهمّهم درجة جودة العمل أو الإنجاز اليومي، لأن المهم هو الشكل العام الذي يمكن أن يرضي الأكثريّة، أما الجوهر ففي الغالب يصعب النفاذ إليه أو التحقّق فعلاً من محتواه وتحسينه!