القول إن الحق كله مع السلطة قول خاطئ، والقول إن الحق كله مع "المعارضة” قول خاطئ أيضاً، حيث الأكيد أن السلطة محقة في أمور، و«المعارضة” محقة في أخرى. لا يمكن أن يكون الحق كله مع "المعارضة”، وإلا لثار العالم كله ضد السلطة، ولا يمكن أن يكون الحق كله مع السلطة، لأن هذا يعني أن الناس خرجوا من أجل لا شيء، ومن دون أي سبب وهذا غير صحيح، فللمواطنين في البحرين مطالب تقرها السلطة، ولا يختلف عليها أحد، وهذه من المشتركات بين المواطنين جميعاً، وبين السلطة التي لا تنفيها وتريد تحقيقها باعتبار ذلك من مسؤولياتها. ما لا تقبله أي سلطة "وخصوصاً الخليجية” هو التطاول في المطالبة، فالسلطات هنا مثلها مثل الفرد الذي إن أخذته بالطيب استجاب لك، لكنه يرفض مطالبك ويرفضك إن تطاولت عليه بطريقة أو بأخرى. لعل هذا ما يعبر عنه القول المنسوب إلى الإمام علي عليه السلام "الخط الجميل يزيد الحق وضوحاً”. ما حدث في البحرين ولا يزال هو أن "المطالب المشروعة تقدم بخط رديء!”.الأمر الواضح أيضاً هو أن سير السلطة و«المعارضة” في دربين متوازيين، لن يوصل إلى أي شيء، بل يزيد الأمر تفاقماً، وبالتالي لا بد من نقطة التقاء بين الطرفين، ليسمعا لبعضهما، ويكتشفا المساحات المشتركة بينهما، ثم ليتيحا لنفسيهما فرصة مناقشة الأسباب والنتائج، واقتراح الحلول، واعتمادها ومن ثم تطبيقها، والعودة من جديد إلى مسيرة البناء، التي لن تتم من غير الوصول إلى حلول ترضي الأطراف ذات العلاقة كافة. الواقع الحالي يقول إن البعض يرى أن الحق كله مع السلطة وفي كل شيء، ويقول إن "المعارضة” تعتقد أنها وحدها التي على الحق وفي كل شيء، هذا أمر لا يقبله المنطق وليس واقعيا، فالسلطة محقة في أمور، و«المعارضة” محقة في أمور، والطرفان يكملان بعضهما البعض، تماماً مثلما أن أطراف "المعارضة” تكمل بعضها البعض، حيث لا يمكن تمرير أي حل من دون توافق "المعارضة” بكل فئاتها عليه. النظر إلى المشكلة البحرينية من زاوية معينة تجعل الناظر منها متشائماً إلى أقصى درجات التشاؤم، والنظر إليها من زاوية أخرى تجعله متفائلاً. أما التشاؤم فيعود إلى أن تلك الزاوية تبين الطرفين "السلطة والمعارضة”، كنقيضين وكطرفين متحاربين، أما التفاؤل فيعود إلى أن تلك الزاوية تبين أن الطرفين هما في الحقيقة والأصل طرف واحد اختلفا على أمور معينة، وبإمكانهما أن يتفقا على الحل الذي يرضيهما. هكذا بكل بساطة.الاستمرار في التكتيك المعتمد من كل طرف لن يوصل إلى أي نتيجة، والحل الذي يكلفنا اليوم قليلاً سيكلفنا غداً كثيراً وقد لا يكون متاحاً. هذا يعني أنه صار لزاماً على الطرفين أن يتوقفا عن الجري لحظة، ليلتقطا الأنفاس وليتيحا للعقلاء والحكماء الإدلاء بدلائهم، ليخرجوا بالحلول الواقعية التي تتطلب من دون شك من الطرفين تقديم تنازلات، لكنها في واقع الأمر، لا تعتبر تنازلات لأنها من أجل الوطن.قليل من العقل سيتيح دونما شك الفرصة للتأكد من أن هناك مساحة كبيرة مشتركة بين السلطة و«المعارضة”تعين على تقريب وجهات النظر والتوصل إلى حلول ترضي الجميع، وأول طريق العقل هو الإقرار بأن الحق ليس كله مع السلطة، وليس كله مع "المعارضة”، وأنه ليس كله مع فئة من "المعارضة” دون غيرها. ما هو واقع اليوم هو أن يد السلطة ممدودة، ودعوتها إلى الحوار مستمرة، وما يتمناه أي مواطن هو أن لا تركب "المعارضة” رأسها، وتضيع هذه الفرصة، التي ربما يصعب أن تأتي من جديد.