لم تأت أناشيد وأغاني التراث الشعبي في كل دول العالم، ومنها العالم الإسلامي، إلا كخلاصة تجربة اجتماعية عاشها من صاغوه لنا وعرفوا الإبعاد التي تحملها الكلمة المغناة، والمعنى الذي يريدون إيصاله للمتلقين.فالكلمات تعدل بين مرحلة وأخرى إلى أن تتكامل، وتتشبع بالمعنى الأهم الذي صيغت من أجله، بحيث لا يمكن أن تغير بكلمات غير الكلمات التي شكلت هذه الأغنية.وأغنية القرقاعون التي كنا نرددها في طفولتنا، ومازالت عالقة في أذهاننا، تتوهج كلما اقتربنا من إعادة ترديدها في شهر رمضان المبارك، واحدة من هذه التجارب المهمة في حياتنا، فهي إضافةً إلى كونها نوعاً من أنواع الاحتفال بانتهاء النصف الأول من رمضان، شهر الصيام الإسلامي السنوي، والذي يجمع المسلمين في كل قارات الأرض على أداء هذه الفريضة الدينية، هو شهر الدعاء بالخير والسعادة والتكافل الاجتماعي وإشاعة روح الترابط بين إفراد المجتمع والدعوة الحارة الصادقة لإطالة أعمار الصائمين وأعمار المتصدقين.إن هذا النمط من الاحتفالات الاجتماعية الدينية يعلم الأطفال طبيعة الإحسان، وطبيعة أن يعطي الإنسان شيئاً مما يملك لمن لا يملك، فيعود عليه أضعاف ما أعطي، في نفس الوقت نرى أنه عبر هذا الاحتفال يتعلم فيه الطفل ممارسة الصدقة. والمعنى الاجتماعي الكبير في وجوبها في الحياة التي نحيا.ونحن لو تأملنا الكلمات التي يرددها الأطفال في احتفال القرقاعون، لوجدنا حجم المحبة التي يحملها الأطفال لعائلاتهم ولمجتمعهم ولدينهم ولكعبتهم الشريفة:قرقاعونعادت عليكمأو يا لصياممن بين قصيّرالله يسلم ولدكمولدكم يا الحبابوسيفه يرقع البابسنة الغلا ما صكهولاحط له بوابهالله يسلم ولدكمويجيب المكدةويحطها في جف أمهيا شفيع لامهسلم ولدهم لامهسلم والدهم لامهثمعطونا الله يعطيكمبيت مكة ايوديكمالمكة المعمورةأم السلاسل والذهب والنورةقرقاعون عادت عليكماو بالصياملو وقفنا أمام معنى جملة عادت عليكم أو يالصيام؛ أي أن يطيل الله في أعماركم لأن تصوموا العام القادم أيضاً، إن هذا الدعاء الصالح في مثل هذه الاحتفالات الدينية العظيمة، لابد وأن نحافظ عليه، كما نحافظ على أسمائنا، ونعتبره جزءاً لا يتجزأ من طبيعة هذا الشهر العظيم، بالضبط كما نعلم أطفالنا التدرج في الصوم.وإذا كان للتكنولوجيا القدرة الهائلة إلى إذابة الفوارق بين أقاليم العالم، مما يساهم في محو الهويات القومية، فليس هناك إلا طريقة واحدة لإثبات خصوصيتنا وهويتنا بين الهويات الكونية، عن طريق إبقاء ما نختلف به مع الآخرين، وهو مثل هذه الاحتفالات الخاصة بنا.وإذا كان هناك من أبعد أطفاله عن ممارسة هذا الاحتفال، بسبب الخوف عليهم من أذى الطريق، علينا أن نبدأ الآن، في إعادته إلى الفرجان.التشبع بالعادات والتقاليد النبيلة والهويات الجميلة، ونقل الرائع من روائع تراثنا البحريني المميز، وحده ما يجعلنا قادرين على الذهاب إلى قمة المعلوماتية الكونية دون الخوف من فقدان هويتنا الوطنية البحرينية والخليجية والعربية والإسلامية.