أعلنت جمعيات (تيار الفاتح) عدم مشاركتها في المؤتمر الذي سيعقده معهد بروكنغز في العاصمة القطرية الدوحة حول (الأزمة السياسية في البحرين)، وقد أصدرت الجمعيات بياناً عبرت فيه عن ريبتها من ظروف عقد المؤتمر وملابسات التنظيم التي يكتنفها الغموض والارتباك، الأمر الذي يدعو معه للشك في أهداف المؤتمر وغاياته.مبررات الريبة التي ساقتها الجمعيات في بيانها تبدو غير واضحة وغير مقنعة، وتتلخص في عدم الوضوح والغموض ونقل قضية البحرين من الداخل إلى الخارج، واحتمال دخول أطراف غير حيادية للصيد في الماء العكر، وعبرت الجمعيات في البيان عن قلقها من استثمار المؤتمر في الإضرار بالبلد في سياق التحولات السياسية في المنطقة، وهذه المبررات تَصْدُق على مؤتمر بروكنغز وغيره من مشاركات الجمعيات البحرينية في المؤتمرات الخارجية!!.التفاصيل التي لم يذكرها البيان تتعلق بطبيعة عمل هذه المعاهد، التي وإن احتوت لوائحها الأساسية على أنها مستقلة لا تتبع أي جهة حكومية؛ فإن أغلبها يرتبط بمراكز صنع القرار في أمريكا تحديداً وبعض الدول الغربية، وهي تعقد المؤتمرات والندوات الخاصة بدول العالم وقضاياها الراهنة وترفع توصياتها لجهات صنع القرار كي تتم الاستفادة منها في صياغة السياسيات الخارجية للدول التي تتبعها المعاهد، فمعهد بروكنغز على سبيل المثال يُعد من أهم مراكز الأبحاث الأمريكية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية والسياسية، والحكومة الأمريكية تعتمد على تقاريره ودورياته كثيرا في رسم سياسيتها الخارجية، كما أن العديد من المسؤولين ومعاوني المسؤولين في الحكومات الأمريكية تم اختيارهم من مستشاري المعهد وباحثيه.أحد التقارير (الجهنمية) التي أعدها المعهد تقريراً يطرح تصوراً فنياً لتقسيم العراق، يتضمن أسس تقسيمه وفق المذاهب والإثنيات اعتماداً على الفواصل الجغرافية العراقية من أنهار وجبال استدراكا لتحدي الزيجات المختلطة التي تعوق عملية التقسيم، كما طرح التقرير مقترحا لإصدار هويات وتنظيم توزيع الثروات وسبل الاتصال والتواصل مع الأقاليم المستقلة التي سيتم تعميق انقسامها وفق خطط مرحلية..، مثل هذه الأبحاث تعطينا تصورا واضحا أن هذه المعاهد ما هي إلا آليات منهجية لبحث سبل تنفيذ المخططات والسياسات الأمريكية والغربية في دول العالم المختلفة بناء على مصالح أمريكا والغرب وليس خدمة للدول موضوع البحث!!ما أثار ريبة الجمعيات؛ استنادا إلى مصادر من الجمعيات التي تلقت الدعوة، أن موضوع البحرين لم يكن مدرجا في جدول أعمال معهد بروكنغز، وأنه أُقحم فجأة وفي ظرف أسبوع واحد فقط، وأن المعهد أرسل تعديلات متعددة على برنامج المؤتمر؛ حيث تم دعوة شخصيات حكومية لتحضر المؤتمر، ثم تم العدول عن مشاركة الحكومة في الطرح لتكون حاضرا في جلسات تُطرح فيها أوراق من قبل الجمعيات البحرينية مختلفة التوجهات، ثم تم تغيير التنظيم ليكون عبارة عن جلستين تكون أولاها عبارة دائرة مستديرة مغلقة، ثم جلسة ثانية علنية يتم اختيار شخصيتين تمثلان طرفي الجمعيات دون توضيح معايير اختيار الشخصيتين أو آلية الطرح.. إلى غيره من الأمور التي اكتنفها الغموض والتذبذب في ترتيب المؤتمر.لذلك ارتأت جمعيات الفاتح الامتناع عن المشاركة في المؤتمر الذي من المرجح أن يُلغى نتجية غياب طرف رئيس في قضية البحرين وهو تيار الفاتح، علما أن الجمعيات راسلت المعهد للاستفسار عن نقاط الريبية هذه ولم يرد المعهد بجواب، وموقف رفض المشاركة يبدو وجيها وحافظا لمصالح البحرين استنادا إلى هذه المبررات وربطها بعمل المعهد وعلاقته برسم السياسية الأمريكية الخارجية في ظل التغييرات التي تشهدها المنطقة، وفي ظل مؤشرات تغيير أمريكا لبعض سياساتها التي لم تحقق نتائج مرضية لها.لكن ثمة وجهة نظر أخرى ترى أن على الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني أن تستثمر نجاح مؤتمر جنيف، الذي كان الأساس فيه تثبت أقدام الصوت الآخر المقابل للمعارضة التأزيمية، وأن تعمل هذه الجمعيات والمؤسسات على صياغة خطاب واحد متسق حول الشأن البحريني وتتبنى رؤية واضحة ومشتركة لأفق الحل، وأن تعد ملفاتها بشأن البحرين وتكون مستعدة لأي ظرف طارئ كمؤتمر بروكنغز. فالبيان الذي أعلنته الجمعيات لم يكن شفافاً بما يكفي للرأي العام ليُكَوِّن صورة موضوعية عن مبررات قرار الجمعيات بعدم المشاركة، وتلك مشكلة إعلام الجمعيات السياسية وأجهزة التواصل معها التي ما زالت تتعامل مع الشأن العام البحريني باعتباره حكراً عليها، فتهمل مشاركة الرأي العام والنخب غير الممثلة في الجمعيات في رسم سياستها وصنع قرارها، ولا تعتني بتوضيح قرارتها بأسلوب مقنع للرأي العام الذي ارتاب هو الآخر من عدم المشاركة وثارت بسببه بعض الشائعات عن عدم اتفاق الجمعيات نفسها على التنسيق وآليات الطرح.ونحن نثمن لجمعيات الفاتح هذا الموقف؛ لكننا نُعَوّل بالدرجة الأولى على تعاطيها الإيجابي مع الرأي العام البحريني وعلى تنسيقها المشترك وبلورة رؤية مشتركة فيما بينها حول البحرين من أجل الاستمرار في تغيير صورة البحرين في الخارج، وصولاً إلى إرغام أمريكا والغرب على تغيير سياستهم تجاه البحرين والمنطقة العربية بما يخدم مشروع الإصلاح الوطني ويحل ملفات الأزمة الداخلية في البحرين.