في بريطانيا تنشر الأجهزة الأمنية قرابة خمسة ملايين كاميرا في كل الشوارع والطرقات، وهي مسألة لا يخفيها البريطانيون أبداً، بل يذكرونها على الدوام. في إحدى المحاضرات لخبير بريطاني في مجال الأمن الدبلوماسي أوضح أن بريطانيا وهي الدولة التي يضرب بها المثل في الديمقراطيات واحترام الحريات لا يتم فيها التهاون أبداً أمام الأمن المجتمعي، ولذلك توجد هذه الكاميرات لضبط أية عمليات إخلال بالأمن والسلم المجتمعي إضافة لاكتشاف عناصر التخريب ومن يقوم بممارسات خاطئة تستوجب المساءلة أمام القانون. في رده على سؤال بشأن الإجراءات التي تمت خلال أحداث الفوضى والتخريب في لندن، وكيف أن الحكومة تعاملت بصرامة وحزم مع المخربين، بل وصلت لنشر صور المتهمين والضالعين في أعمال التخريب في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والتوعد بحرمانهم من أية امتيازات توفر كحق للمواطنة، بين بأن مسألة الأمن القومي تقف أولاً كأولوية أمام أي اعتبار آخر، بالتالي حينما يتعدى مجموعة من الأفراد على القانون ويقومون بما يمكن توصيفه تحت وصف الإرهاب والتخريب فإن هؤلاء بالتالي يتخلون في مقام أول عن حقوقهم كمواطنين باعتبار أنهم أخلوا بواجباتهم تجاه الوطن. أكبر كارثة ممكن أن تحصل في بريطانيا أن يقوم شخص أو أفراد بالاعتداء على أفراد الشرطة، أو أن يتم استهدافهم بهدف قتلهم أو إصابتهم، العقوبات هناك مغلظة خاصة إن ارتبطت التجاوزات باستهداف من مهمتهم في الأساس تثبيت دعائم الأمن. بيت القصيد هنا، بأن من يقوم بارتكاب الأعمال المجرمة في القانون البريطاني هو ليس ذا أهلية ليطالب في مقام أول باحترام حقوقه، حقوقه بكل بساطة تسقط إلى أدنى المستويات أمام حجم الجرم الذي ارتكبه، ومع ذلك تمنح له الفرصة للدفاع عن نفسه أو توكيل محامين عنه، لكن التشديد يكون في التقاضي باعتباره أخل بواجباته تجاه المجتمع، وعليه أن يدفع "الضريبة” بالقانون تجاه هذا المجتمع في المقابل، وأن يحاكم بموجب الحق العام والخاص، دون أن يسقط الحق العام مهما كانت الدفوعات ومهما كانت المرافعات، فالجريمة وقعت والعقاب لابد وأن يطبق بناء على مستوى الجرم. اليوم في البحرين نجد أن المستهدفين يومياً هم رجال الأمن، ونرى أن استخدام المولوتوف بات كما الأمر العادي، والذي وصل لمرحلة تبريره من قبل القوى المعارضة واعتباره ردة فعل وليست عملية تدخل في إطار الإرهاب الممنهج والتعدي على الدولة وعلى حريات الآخرين، وهي ممارسات مجرمة في القانون. استجلبت البحرين خبيراً أمنياً بريطانياً، وحتى اليوم مازلنا نبحث عن الإضافة النوعية والتغيير الملموس فيما يتعلق بعمليات التصدي لهذا التخريب ومحاسبة المخربين، قد تكون هناك أمور تجري دون أن يتم الإفصاح عنها، لكن لسان حال المواطن الذي يريد عيش حياته بسلام يقول بأن "كفى” مما يحصل من فوضى وعبث تستوجب إجراءات صارمة. من ينتهج هذه الأساليب يفترض بأن يحاسب بموجب القانون دون أي تراخ، كونه منح نفسه صلاحية التعدي على حريات المجتمع والوصول لمرحلة التخريب وإشاعة أجواء الإرهاب. هذا عرف ثابت تطبقه أي دولة تحترم القوانين وتلتزم بتفعيلها لا إبقائها في الأدراج. على البحرين تطبيق تجارب الدول الديمقراطية في شأن تثبيت دعائم الأمن ومحاربة الجريمة والإرهاب. ماذا يمنع من وضع كاميرات مثلما تفعل بريطانيا في المناطق التي تتكرر فيها هذه الحوادث بحيث يتم القبض على من ينتهك القانون ويمارس الإرهاب وتتم محاسبته بموجب القانون؟! ليس منطقياً أبداً أن تترك الساحة هكذا أمام من يريد ممارسة رمي المولوتوف بحيث يخرب ويعتدي على المرافق ويهاجم الشرطة بهدف قتلهم أو إصابتهم ثم يمضي في سبيله وكأنه لم يقم بأي جرم يذكر. المحاسبة مطلوبة، والضرب بقوة مسألة باتت حتمية أمام ما نراه ما انفلاتاً لا ينتهي. التفكير بأن منفذي هذه العمليات الإرهابية أفراد "مغرر بهم” مسألة يفترض أننا تعديناها منذ زمن، وفي بلد يفترض أن يكون بلد مؤسسات وقانون لابد وأن تكون هناك محاسبة لمن يخطئ، وألا يتم التعامل فقط بـ«روح القانون”. من تم "التغرير به” عليه أن يدفع ثمن قبوله بأن يكون "مغرراً به”. في البحرين من يتوسد الشارع يتم التعامل معه بحضارية وتصل المسألة لـ«مراشاته” بالكلمة الطيبة لينهض من مكانه، بينما في بريطانيا من يقوم بفعل يتجاوز فيه حرياته ويتعدى على حريات الآخرين يكبل من فوره، بل توضع في يده الأغلال ووجهه إلى الأرض، وتبقى مع ذلك بريطانيا سيدة الديمقراطيات العريقة.