أصبحت لعبة الموت المتعمدة في شوارع البحرين أمراً مقصوداً، وربما في أحيانٍ قليلة غير مقصود، فحوادث السير القاتلة زادت في الآونة الأخيرة رغم التشديد والتشدد من قبل الجهات المختصة لمنعها.يراها الشباب نوعاً من أنواع التحدي، وآخرون يرونها نوعاً من أنواع الرياضة والتنفيس عن النفس وعقدها، هكذا يعتقد شبابنا في السرعة المفضية إلى الموت في شوارع الوطن، لكنهم لم يحسبوا حجم الخسائر التي تتكبدها أُسرهم والمجتمع.السرعة القاتلة تحصد أرواح العشرات من شبابنا كل عام عبر الحوادث المميتة، يموت بمعيتهم أشخاص أبرياء، وتترمل نساء، ويتيتم أطفال صغار، وتُفْجَع أمهات، والسبب في كل ذلك يعود لشباب طائش همّهم الأول إرضاء غرورهم والكثير من التحدي «والفشخرة» الزائدة.عدم المبالاة بالأنظمة المرورية وعدم التقيّد بقواعد السّير، إضافة لعدم الالتزام بالمسؤولية الأخلاقية في الشارع، ناهيك عن غياب كل مستلزمات الأمان في المركبة، كل ذلك يؤدي بطبيعة الحال إلى حوادث خطيرة ومميتة.يسوق الشاب سيارته بطريقة جنونية ومتهورة في قلب الأحياء السكنية وفي الطرق العامة، وهو محمَّل بأرواح شباب يجلسون على مقاعد سيارته، يشجعونه على ذلك، مما يعرض حياته وحياتهم وحياة كل من في الشارع إلى الخطر المؤكد.أيها الشاب المتهور في سياقته؛ من أجاز لك قتل نفسك؟ ومن أعطاك الرخصة كي تجيز قتل غيرك؟ هل فكرت ولو للحظة واحدة بأمك وهي تنتظر عودتك إليها حتى تفجعها وأنت مقطع الأوصال أمامها نتيجة سرعتك غير المبررة؟ هل فكَّرت مليَّاً أن هنالك أُمّاً أو أختاً أو أخاً أو زوجة أو طفلة ينتظرونك في المنزل؟ هل فكرت جيداً وأنت تسوق سيارتك بطريقة جنونية أن من هم في الشارع لهم أمهات وأطفال ولديهم مسؤوليات وأُسَر وما إلى ذلك؟ أم أن على قلبك أيها المتهور غشاوة لا ترى سوى نفسك؟أيها الشاب المتهور، إن كنتَ لا تحب نفسك فهناك من يحبك ويحترق قلبه لأجل عودتك، فحاول أن تتدرب على تحمل المسؤولية الأخلاقية، والأمانة في صون النفس، فأنت إنسان كريم وليست حشرة لا قيمة لها حتى تقوم بكل تلك الفجائع عبر سياقة تخلو من كل أشكال الذوق الإنساني.رجل ينفق على أسرة كبيرة، لديه أطفال وتقع على عاتقه مسؤوليات جِسَام، تعرض لحادث سير، ذلك حين صدمه أحد أولئك الشباب المجنون فقضى على حياته الكريمة في لحظات. تقول أسرة الفقيد بعد موته: فجعنا لرحيله كثيراً، وساءت أوضاعنا المادية، وبعد أشهر اتصلت بنا شركة التأمين تطالبنا بالحضور لاستلام مبلغ التأمين لأن الفقيد كان ضحية خطأ سياقة شاب متهور، وحين أخذنا المبلغ لوالدة الفقيد الضحية بكت كثيراً، وقالت: من سيعوضني في ولدي؟ وبعدها رفضت أخذ المبلغ لأنه لا يعادل لحظة من لحظات عنايتها بابنها العزيز على قلبها، ولا يعادل كل كنوز الأرض عندها.قصص كثيرة محزنة ومؤلمة أبطالها شباب طائش وضحايا أبرياء وأمهات ثكلى، لكن هذا لا يعفي الجميع من المسؤولية لوقف نزيف الفقد ووضع حلول رسمية ونيابية ومدنية مشتركة للحد من الحوادث المرورية المميتة، كما إن للأسرة ومنظمات المجتمع المدني دوراً بارزاً في نشر الوعي بقيمة النظام المروري وقيمة النفس البشرية قبل كل ذلك، كما إن لوزارة التربية والتعليم وخطباء المساجد وغيرهم من منابر الوعي والثقافة دوراً هاماً في توعية شبابنا نحو سياقة تخلو من الفجائع.