قرار وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة «وقف جميع المسيرات والتجمعات وعدم السماح بتنظيم أي فعالية إلا بعد استتباب الأمن وتحقيق الاستقرار بهدف حفظ الوحدة الوطنية والتماسك المجتمعي ومنع أشكال التطرف»، قرار مهم وعملي وإن جاء متأخراً، فهذا القرار انتظره المواطنون طويلاً، وبعضهم عاتب وزارة الداخلية على تأخرها في السير في هذا الطريق الذي يبدو الآن واضحاً أنه لا بد من السير فيه كي لا تضيع البلاد.مسيرات وتجمعات أشكال وألوان وفي كل ساعة من ساعات الليل والنهار على مدى عام ونصف العام أرهقت وأزعجت وآذت المواطنين قبل الحكومة، ما جعل كثيرين يهللون ويكبرون لصدوره حتى قالوا (أن تصل متأخراً خير من ألاَّ تصل). والحقيقة أنه لو كانت تلك المسيرات والتجمعات تتم كما في بلاد العالم (العدلة) فلا تعطل حياة الناس ولا تربكها ولا تتسبب في إزعاجهم لما تمنى المواطنون صدور هذا القرار، ولما أصدره الوزير المعروف أنه من الداعين إلى ممارسة الحقوق التي يكفلها الدستور وينظمها القانون، لكنها للأسف مسيرات وتجمعات تبدأ هادئة وتنتهي بفوضى واعتداءات على الاستقرار وتهديدات لحياة المواطنين عبر حجز الشوارع وإشعال النار في إطارات السيارات وحاويات القمامة وهجمات «حيدرية» على الشرطة الذين لا يجدون بداً من التعامل معهم حسب القانون، فيصل دخان «المعركة» إلى أولئك الذين لا ذنب لهم من المواطنين والمقيمين ولا حول لهم ولا قوة. القانون في البحرين لا يستوجب الحصول على ترخيص لتنظيم مسيرة أو تجمع، فكل المطلوب هو تقديم «إخطار» يتم بموجبه إعلام وزارة الداخلية بالرغبة في القيام بالمسيرة أو التجمع لتقوم الوزارة بدورها بتنظيم الأمور وحماية الجميع بمن فيهم المشاركون في تلك الفعاليات، حيث المهم لدى الداخلية هو ألا تتعطل حياة الناس ولا يرتبك إيقاع الحياة ولا يتضرر أحد بسبب تلك المسيرات أو التجمعات. لهذا فإن القانون أباح لها منع تنظيم تلك الفعاليات في الحالات التي تقدر فيها أن الضرر منها أكبر من المنفعة، أو أن الخطر منها كبير سواء على حياة الآخرين أو حياة المشاركين أنفسهم. قرار الوزير جاء بعدما بلغ السيل الزبى، وبعد مبالغة أولئك في استغلال ذلك القانون ووصولهم حد اعتبار كل من يبدي ملاحظة على تصرفاتهم الخارجة عن القانون متدخلاً في حقوقهم وخارجاً على القانون، بل وصاروا لا يعترفون بأحد ولا يهتمون لقوله وإن كان ناصحاً. القرار جاء بعدما بالغ منظمو تلك الفعاليات في أفعالهم وأقوالهم، وصار عندهم حتى الدعوة إلى إسقاط النظام وسب رأس الدولة أمراً عادياً، وأوجدوا لذلك كثيراً من التبريرات، بل اعتبروا من يخالفهم الرأي في هذا لا يفهم في السياسة!الآلاف من التغريدات عبر التويتر تم بها مهاجمة القرار والوزير ووزارة الداخلية والحكومة، ومئات الاتهامات تم توجيهها إلى كل من يقف إلى جانب القرار ويعتبره مناسباً وصحيحاً، وانبرت الفضائيات بقيادة السوسة الإيرانية (فضائية العالم) لشحن العالم ضده، فاستضافت كل من رأت أن بإمكانها استفزازه حتى نالت منه تصريحاً برفض جمعية الوفاق للقرار وعدم الاكتفاء بإدانته والسعي لمحاربته بكل الوسائل وأولها الاستمرار في خروج المسيرات والتجمعات ودون إخطار الداخلية أيضاً.بعيداً عن الشد والجذب، وبعيداً عن التفسيرات الواقعية وغير الواقعية؛ لماذا لا نتفق على الاستفادة من القرار في تهدئة الأمور ونرى ما يمكن أن يحدث، فلعل في ذلك خيراً حتى لرافضيه؟ أسباب اتخاذ القرار ومبرراته واضحة ومنطقية، والهدف منه واضح جلي والمراد منه الخير للمواطنين جميعاً وللوطن، فلماذا المناكفة والإصرار على رفضه والوقوف في وجه هذا التوجه الذي قد يمهد الساحة لممارسة وطنية أفضل؟