الوفاق تعرف تماماً أن ردات الفعل الغاضبة من شارعها قد تكون أقسى وأقوى وأكثر ضرراً من ردات فعل الأطراف الأخرى التي لن تصل في تعاطيها لمستوى العنف أو ممارسة الإرهاب أو إلقاء المولوتوف وغيرها من أسلحة.أمين عام الوفاق علي سلمان «تمنن» على شارعه في أحد التجمعات، وقال لهم بأنه -هو وجماعته- ضحوا من أجلهم، وأنه وجماعته لا يريدون أي مكاسب ومناصب؛ بل يريدون النضال من أجل الناس، وحينما نقلت بعض المواقع المحسوبة على من تصفهم الوفاق بالعناصر المتشددة استنكار الناس لعدم تواجد عناصر الوفاق في المسيرات والتجمعات التي تتحول إلى مواجهات مع أجهزة الأمن (أو المرتزقة كما يصفهم سلمان وربعه) قام سلمان بالسير في مسيرة، وحينما شم مسيل الدموع تحول «النضال» إلى مسرحية اغتيال ومساع لـ «قتل» المناضل العتيد.مؤخراً فاجأ سلمان الجميع بإلقائه خطبة في ذكرى عاشوراء على جماهيره ومريديه لكن من وراء «حجب»، من وراء حاجز زجاجي، ولا يعرف المغزى من ذلك حتى الآن، إذ من قال لجماهيره و«عايرهم» بأنه ضحى لأجلهم؛ لماذا يقف وبينه وبينهم «حاجز زجاجي»؟! هل هي إشارة أن الرجل مستهدف للاغتيال؟! إن كان نعم، فهل من يريدون اغتياله من جماعته وبالتالي خرج عليهم من خلف حاجز زجاجي قد يكون «مضاداً للرصاص»؟!الوفاق تعرف تماماً أن كروتها احترقت، تعرف تماماً أن من تبعها أخذ يدرك أنه هو من دفع الضريبة، بينما عناصر الوفاق هم من باتوا يعيشون خارج البحرين، ومنهم من بات يتنقل في ربوع أوروبا بحجة «الدفاع والتضحية» عن الناس، ومنهم مازال يستلم تقاعده النيابي ويمتلك سيارة فارهة نظير كونه نائباً سابقاً، ومع ذلك لا ينفي كون أمين عام الوفاق وربعه «ضحوا» من أجل الناس! تدرك الوفاق أنها مهما ستحاول مع الناس الذين غررت بهم وصورت لهم أن سقوط البحرين مسألة ستحصل في غضون ساعات وفي لمح البصر، تدرك بأنها غير قادرة على إدارة الناس بنفس قدرة من تصفهم بـ «المتشددين» على توجيه جموع الشباب المشحونين لحرق البحرين بمجرد دعوة أو رسالة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دون الحاجة ليكون المحركون متواجدين أصلاً داخل البحرين.محاولة الحديث من وراء الحاجز الزجاجي هدفها أيضاً «خداع» المجتمع الدولي، وتقديم مادة لدكاكين حقوق الإنسان لتصور سلمان على أنه المناضل الذي سيتم اغتياله في أي لحظة، بالتالي هو مضطر للسير مع مجموعة «بودي غاردز» ويتحدث من داخل غرفة زجاجية ضد الرصاص. أفعال حتى المناضلين الكبار أمثال غاندي ومارتن لوثر كينج لم يفعلوها.يبدو أن الحاجز الزجاجي وجد أيضاً لا لخوف من قناصة «الأباتشي» التي ادعى سلمان بأنها قصفت الدوار، بل يبدو أنها وجدت تحسباً لرد فعل رجل غاضب فقد ابنه بسبب تحول الأخير لقربان للوفاق، أو تحسباً لغضب جموع تضررت معيشياً واجتماعياً بسبب «تضحيات الوفاق «العظيمة».يبدو أن مشهد اغتيال أنور السادات مر في مخيلة المناضل، وبات قلقه من أن يطاله شيء على يد مريديه أكبر من قلقه إزاء ردات فعل أطياف أخرى في المجتمع بلعت كثيراً من إساءاته لها وسكتت، أو الدولة التي مازالت لا تريد تطبيق القانون عليه.عموماً بالحديث عن النضال وعن تخليد الذات في التاريخ، قال علي سلمان في خطبة الجمعة الماضية بجامع الصادق ما يلي نصاً بحسب ما نشره موقع الوفاق: «لقد ضحى النبي عيسى عليه السلام من أجل الهداية لبني البشر، وتزكية نفوسهم وصلب في هذه المحاولة، فهذه قضية خالدة».بحسب رجل الدين المسلم علي سلمان فإنه يقول لمريديه أن المسيح عيسى عليه السلام «صلب» في سبيل محاولته هداية بني البشر وتزكية نفوسهم. يقول ذلك وهو رجل الدين الذي يفترض به أن يعرف أن المولى عز وجل قال في قرآنه الكريم وفي الآيتين 157 و158 من سورة النساء: «وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً. بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً». صدق الله العظيم.تسويق الكذب ومحاولة تغييب عقول الناس وصل لمستوى تجاهل القرآن وتحريف الوقائع التي أثبتها المولى عز وجل. بالنسبة لسلمان حتى يثبت مسألة النضال والقضايا الخالدة قال بأن المسيح صلب، قول يتفق فيه مع ما تقوله الأناجيل، رغم أنه رجل دين مسلم، رغم أنه خطيب وإمام! لعلم سلمان ليس إلا، حتى الأناجيل اختلفت في مسألة «صلب» المسيح، فبحسب إنجيل «يهوذا» الذي عثر على أحد مخطوطاته الأثرية في المنيا بمصر عام 2006 ويعود تاريخها إلى بداية القرن الثالث الميلادي، ونشرت الواشنطن تايمز هذا الخبر في عددها الصادر في السابع من أبريل من نفس العام، موضحة بأن الإنجيل نفسه أشار لمخاطبة المسيح ليهوذا والأخير هو من خان المسيح، بأن يهوذا سيكون الرجل الذي يختلف عن باقي الحواريين والذي سيلقى عليه شبه المسيح ليقتل بدلاً منه. لكن دعكم من هذا كله، علي سلمان يقول بأن المسيح صلب، فقط ليوصل نقطته ومقصده من مسألة النضال والخلود في التاريخ، الرجل الذي قال لمريديه بأنه ضحى من أجلهم، والذي لم يصمد أمام زخات من مسيل الدموع بينما مريدوه يدفعهم للموت والتضحية بأبنائهم ليتاجر بدمائهم، الرجل وقف أخيراً وبينه وبين مريديه «حاجز زجاجي»، في تجمع يعلم تماماً بأنه لن يتضمن مناهضين له من الجهات التي يعاديها، سواء الدولة التي يريد تسقيطها، أو الأطياف الأخرى التي يتهمها بالارتزاق والعمالة، وعليه فإن السؤال سيكون بشأن هذا الجدار الزجاجي، ولمن وضع بالضبط؟! وهل بات خادم الولي الفقيه لا يثق بمريديه حتى يضع الحواجز بينه وبينهــم؟!