لماذا ينقلب الأفراد على الثورة عندما تنجح ويحاولون إشعال ثورة أخرى؟كتب كثيرة تحاول الإجابة على هذا التساؤل، وتحديداً تلك التي تصنف ضمن أمهات كتب الثورات، ومعظمها يخلص إلى نتيجة وهي أن الثورة عندما تنجح في إسقاط النظام الحاكم أو تغيير النخبة الحاكمة تستمر حالة الصراع بين الجماهير والقوى السياسية سواءً قادت الثورة أم لم تقدها، وسبب ذلك تضارب المصالح بين مختلف القوى من جهة، والجماهير من جهة أخرى. في الحالة المصرية عدد كبير من القوى السياسية مازالت غير مقتنعة بالنظام القائم، وبحكم الإخوان هناك رغم وصولهم عبر صناديق الاقتراع التي اختارها الشعب. فضلاً عن أداء النخبة الحاكمة الجديدة لم يتمكن من تحقيق إنجازات فعلية على أرض الواقع سريعاً، وهذا هو الواقع، ففي ظل نظام يشهد مرحلة إعادة هندسة من جديد من المستبعد ومن الصعب أيضاً أن يكون قادراً على تحقيق تطلعات الجماهير. الأهم من ذلك أن من تقاليد الثورات السعي نحو تصفية القوى السياسية المنافسة من قبل النخبة التي تمكنت من السيطرة على النظام السياسي الجديد في مرحلة ما بعد الثورة. ثورات عديدة شهدها العالم، كان لافتاً فيها حالة التصفية التي تتراوح بين التصفية الجسدية (إعدامات عشوائية للسياسيين) وبين التصفية السياسية - القانونية لمختلف الجماعات رغم مشاركتها في الثورة. هل تشهد بلدان الربيع العربي هذه الحالة؟بالطبع تشهدها، وهو أمر يمكن أن تشهده أي دولة عربية أخرى تشهد ثورة. وهذه الحالة قد تدفع الجماهير إلى الخضوع الشديد للنظام الجديد بسبب قمعيته وقسوته، وقد تدفعه إلى الثورة من جديد ضد الثورة السابقة التي شارك فيها. الفوضى الخلاقة ساهمت في تشكيل أرضية خصبة في كافة الدول العربية نحو التغيير بعد تغيّر معادلة القوة السياسية التي كانت في يد النخبة الحاكمة وانتقلت فجأة إلى الجماهير التي لا يمكن أن تتعامل معها بشكل رشيد. أتذكر جيداً خلال التدريب في أكاديمية التغيير بالعاصمة النمساوية فيينا، كان الحديث محتدماً حول مستقبل الثورة المصرية، وكان أحد المدربين يؤكد لنا أن الهدف في مصر ليس وصول الإخوان للحكم، بل هو أبعد من ذلك بكثير. فكنا نستفسر منه عن (البعيد) الذي يقصده، فيؤكد أن الثورة وأدوات التغيير التي ابتكرت وزرعت في مصر هدفها ضمان القابلية للتغيير لدى الجماهير، بحيث عندما تأتي نخبة حاكمة وتحاول السيطرة واستلاب الدولة، بإمكان الجماهير الثورة ضدها من جديد وتغييرها سريعاً، وهذا ما يمكن أن نشهده اليوم في القاهرة. وهو مشهد يمكن أن يتكرر في أي بلد من بلدان الربيع العربي إذا نجحت الجماهير المصرية في اختبارها.
Opinion
الثورة على الثورة
29 نوفمبر 2012