بينما تحضّ كافة الأديان السماوية الإنسان على تقديم المساعدة لأخيه الإنسان في حدود إمكاناته وقدراته، بل وتتجاوز ذلك إلى دعوته من أجل التضحية بالروح والدم والمال، وبكل ما يملك، من أجل سعادة البشرية جمعاء؛ وفيما تستحثنا التقاليد والأعراف والقيم الأخلاقية والروحية على الإيثار، وإعانة الفقير والمسكين، وتقديم المساعدة سواءً للأفراد المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، أو لمن يطلبها بشكل عامٍ، دون انتظار المقابل المادي، فالأجر يوم الآخرة، تتناهى على مسامعنا من الضفة الأخرى نداءات تتعالى من كل حدبٍ وصوبٍ تدعونا لعدم «التسرّع» في تقديم العون لطالبه، والتروِّي في إخراج الآخرين من مآزقهم الماليّة أو العاطفية، وكثيراً ما تستنجد هذه النداءات بأمثلةٍ شائعةٍ، مثل: «اتق شرّ من أحسنت إليه»، و»احذر عدوّك مرّة واحذر صديقك ألف مرّة»، وغيرها من المقولات التي تحذرنا من الوقوع في حبائل «النصب والاحتيال».يحضرني في هذا السياق مشهد ظريف للفنان الكوميدي عادل إمام في فيلم «الواد محروس بتاع الوزير»، حين يقوم سكرتير الوزير بتنبيهه إلى حقيقة امرأة تتظاهر بالبؤس والحرمان، وتطلب مساعدةً ماديةً، بينما هي في الواقع تملك عدّة عمارات سكنيّة في أحياء راقية، فيتأثّر الواد محروس بهذه الحقيقة المرّة لدرجة أنه يسارع بصدّ أول رجل متسوِّل يصادفه في الشارع، وينهره علناً، بحجة أن الرجل سيستلم الصدقة منه ليدفع بها قيمة فاتورة هاتفه المحمول! ويبدو أن المناوئين بشدة لمساعدة الناس عامةً، والمحتاجين منهم على الأخص، سواءً علانيةً أو مواربةً، يعتقدون أن هؤلاء الناس ليسوا فعلاً في حاجةٍ للدعم المادي، وأنهم يخدعون الآخرين بمظاهرهم الرثّة الدالة على حياتهم البائسة، وأنهم ربما يفعلون ذلك استغلالاً لطيبة الآخرين وسذاجتهم، وسعياً لجنيّ المال عن طريق التدليس، وافتعال الحكايات المزيّفة التي تنضح ألَماً وشقاءً. غير أن الأشخاص الذين يرفضون إعانة الغير متباهين «بالذكاء والنباهة» يجب أن يتذكروا أن مساعدة الآخرين هي اقتراب من الذات الحقيقية، والعودة إلى الفطرة السليمة ونداء القلب، وأن الإنسان الشهم، المتميِّز بقوّة الإرادة ونفاذ البصيرة، هو منْ يدرك تماماً أن تقديم المعونة لمن يستحقها فعلاً هو واجب إنساني ووطني قبل أن يغدو فرضاً اجتماعياً ملزِماً للجميع!