للمرأة البحرينية تاريخ مجيد، وهذا التاريخ لم يغب عن أجندة معهد البحرين للتنمية السياسية، بل هو جزء لا يتجزأ من رؤية المعهد وفلسفته وثقافته، وتجسيداً لهذا التوجه الفكري والثقافي والإنساني فقد نظم المعهد ورشة عمل عن مشاركة المرأة البحرينية في المعترك السياسي، تحدثت فيها دلال جاسم الزايد، عضو مجلس الشورى البحريني.إن المجتمع الصحي هو المجتمع الذي ينهض بأبنائه من الرجال والنساء على حدٍ سواء، والدولة السعيدة هي التي تعتمد في نهضتها في سن التشريعات والقوانين لتحقيق ذلك التعاضد المجتمعي الوطني بين أبنائه، لا تفرق بينهم، ولا تقدم أحداً على غيره إلا بقدر عطائه ومواطنته. والحكومة الرشيدة هي التي لا تستثني أحداً من مواطنيها في سن أي قانون أو تشريع نافع، فالمرأة في وطنها كالرجل، لا فرق بينهم في أي شيء سوى ما أوجده الخالق جل وعلا في الرجل أو المرأة. تلك هي المواطنة الحقة لهذا الوطن، فالمرأة والرجل مواطنون سواء. وتاريخ المرأة البحرينية يبتغي له سطور وصفحات وكتب، ومشاركة المرأة البحرينية في المعترك السياسي ليس وليد اليوم، فهي رائدة في مختلف المجالات من سياسية واقتصادية ومهنية وثقافية واجتماعية، فقد شاركت كناخبة في المجلس البلدي في عام 1928، وصقلت الدولة البحرينية هذه المشاركة بسلسلة من التشريعات والقوانين التي جعلت من المرأة البحرينية عنصراً من عناصر الديمقراطية، بدءاً من ميثاق العمل الوطني ثم الدستور وتالياً مجموعة من التشريعات التي تمثلت في (قانون مباشرة الحقوق السياسية، قانون مجلسي الشورى والنواب، قانون البلديات، قانون الجمعيات السياسية وقانون النقابات العمالية)، وبذلك دعمت الدولة حق المرأة في المشاركة السياسية بهذه الأسانيد القانونية التي جمعت في الكثير من بنودها هذا الحق الذي لا يختلف عليه اثنان. وهذه الأسانيد القانونية والتشريعات البحرينية الوطنية توافقت مع الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها مملكة البحرين وصادقت عليها مثل (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ـ 1948، الاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة ــ 1952، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية - 1966، اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة - 1979). وجاء تأسيس المجلس الأعلى للمرأة ليوضع لبنة إضافية لدعم المرأة البحرينية لتمكينها من العمل السياسي الذي كان حكراً في السابق على الرجال.لقد وفرت الدولة القاعدة التشريعية والقانونية الصلبة لمشاركة المرأة البحرينية في المعترك السياسي ولكن هناك مجموعة من العوائق والعراقيل التي تواجه المرأة ليتسنى لها تحقيق المشاركة الكاملة لها، ومن هذه العراقيل:- الموقف الديني المتزمت من دور المرأة المجتمعي وخاصة في مجال الترشيح للانتخابات التشريعية تحت ذريعة وفتاوى (يجوز ولا يجوز)، فالمرجعيات الدينية بأطيافها المختلفة تستخدم المرأة فقط كصوت انتخابي ورقم لإنجاح هذا المرشح أو ذاك، أي رقم يضاف إلى المرشح الذي تختاره هذه الجمعيات دون أن تضع المرأة في قوائمها الانتخابية. ولا تعمل جاهدة على تدريب كوادر نسائية سياسية.- الجمعيات السياسية لا تعمل على تدريب النساء كمرشحات للانتخابات البلدية والبرلمانية، فالكثير من عضوات هذه الجمعيات يكون وجودهن في الجمعيات كعناصر مساندة لأنشطة وفعاليات هذه الجمعيات مما يؤدي إلى أن العنصر النسائي فيها يؤدي دوره بين جدران هذه الجمعيات.- المجتمع البحريني لم يصل أكثره بعد إلى درجة الوعي بانتخاب المرأة، رغم إن المرأة البحرينية قد أخذت حقها التعليمي الثقافي والفكري والاجتماعي كثيراً. فالكثير من الرجال يعترضون على ترشيح المرأة أو أنها تشتغل بالعمل السياسي، ويكتفون بأن تشارك كناخبة لا كمرشحة، وبعضهم يفرض على زوجته أو أخته أو ابنته ترشيح الرجل دون المرأة، وهي ممارسة نتاج إيمانهم الضعيف بدور المرأة المجتمعي والسياسي الذي لو برز وجوداً لاجتث المشاركة السياسية للكثير من الرجال.وإن كان للرجل دور مجتمعي فللمرأة أكثر من دور، فبجانب قدرتها على المشاركة السياسية فهي زوجة وأم لأولادها وسيدة تقود بيتها، وهو دور لا يستطيع الرجل أن يقوم به أبداً، فإذا كانت نسبة مشاركة المرأة في بيتها 100%.. فكم هي نسبة مشاركة الرجل في بيته؟إن في مملكة البحرين مخزوناً كبيراً من النساء البحرينيات اللاتي يستطعن العمل في الكثير من المجالات، بل إنهن يُبدعن فيه وبتفوق، إلا أن ظروف المجتمع كثيراً ما تحول دون قيام ذلك المخزون بدوره الحقيقي والكامل، وبالتالي يُحرم المجتمع من هذه الكوادر المميزة في البذل والعطاء. إن تحقيق المشاركة السياسية الفعلية والكاملة للمرأة يعول على المجتمع، فالرجل يستطيع بإرادته أن يتحرر من فتاوى ومواقف الجمعيات الدينية والسياسية ومرجعياتها باختلاف طوائفها من خلال تحرير نفسه من أجنداتها، وصقل ذاته وفكره بالوعي حول ضرورة مشاركة المرأة في المعترك السياسية بكونه حقاً للمرأة أولاً وواجباً عليها كمواطنة بحرينية ثانياً، ولأنها جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع البحريني ثالثاً. فالسياسة كما هي حقٌ للرجال فأيضاً للنساء نصيبٌ في ذلك، وكما إن البحرين بحاجة للرجال فهي أيضاً بحاجة إلى النساء أكثر وأكثر.