عموم المواطنين وحتى المقيمين ذاقوا وتعرفوا على ثمن التغيير السياسي الذي تدعمه واشنطن لتغيير نظام الحكم في البحرين. فالمشاكل الداخلية تفاقمت وتضرر من حاول ركوب موجة التغيير بشكل كبير، وخسر ما خسر، وإن لم تكن خسارته من الدولة فإن خسارته الرئيسة من المواطنين والمقيمين أنفسهم من حوله الذين صاروا ينظرون إليه بازدراء ويقذف بأقسى السمات، فضلاً ما ترتب عليه من سلوك، كما هو الحال بالنسبة لأسلوب المقاطعة التجارية الذي من الصعب على الدولة إنهائه لأنه قرار طوعي اتخذته مكونات المجتمع احتجاجاً على السلوك السياسي خلال الأزمة الأخيرة. بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 اكتشفت الإدارة الأمريكية كلفة التغيير السياسي منذ حكم الرئيس بوش الابن وإلى أن وصل الرئيس الحالي باراك أوباما إلى سدة البيت الأبيض. الفريق الرئاسي لأوباما أدرك جيداً كلفة الاحتلال الأمريكي للعراق، وكذلك الحال بالنسبة لأفغانستان، وهنا طرحت فكرة الانسحابات الأمريكية من بغداد وكابول لتكون من الأجندة الرئيسة ضمن البرنامج الانتخابي لأوباما والذي وصل به إلى مقاليد الحكم في واشنطن. تلك المرحلة تؤكد لنا قدرة واشنطن على اتخاذ قرارات جريئة دون النظر جيداً إلى عواقبها مرحلياً أو مستقبلياً، أو حتى القدرة على التعامل معها لاحقاً، والعراق نموذج واضح على هذه الحالة. وكذلك البحرين مع دول مجلس التعاون الخليجي، فإذا كان القرار الأمريكي بتغيير الأنظمة السياسية فيها لأنها (أوتوقراطية)، فإنه ليس واضحاً أن واشنطن لديها جاهزية لمواجهة التحديات التي يمكن أن تترتب على هذا التغيير. الأيام القليلة الماضية كشفت ضعف قدرة واشنطن في اختبار علاقاتها وتحالفاتها مع البلدان العربية سواءً كانت من ضمن بلدان الربيع العربي أو كانت من غير بلدان هذا الربيع. ولذلك دفعت الولايات المتحدة الأمريكية جزءاً من فاتورة تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية من أجل دعم نخب سياسية على أخرى، فعمت الفوضى الخلاقة مصالحها، ونالت من وجودها السياسي كما هو الحال لاقتحام السفارات الأمريكية، أو حتى قتل الدبلوماسيين الأمريكيين. كلفة التغيير السياسي في البحرين ليست بمعزل عن هذا المشهد الإقليمي تماماً، فلو تم التغيير، فهل لدى واشنطن الضمانات أن حلفائها الجدد الذين سيتحولون لنخب حاكمة جديدة في المنامة لن ينقلبوا عليها؟ لا أعتقد أن لدى واشنطن مثل هذه الضمانات، وهي بحاجة للتذكير بما تم عندما دعمت التغيير السياسي في إيران وإسقاط الشاه، فقام حلفائها الجدد باحتلال سفارتها لفترة طويلة جداً. وكذلك في لبنان عندما دعمت تيار ولاية الفقيه جاء الإرهاب ضد المصالح الأمريكية منه أيضاً بسلسلة من الاغتيالات والهجمات الإرهابية. ومثل هذه النماذج يبدو أنها غائبة عن واشنطن، لأن سلوك سياستها الخارجية لا يشير إلى وجود مثل هذه المخاوف أبداً. من ضمن سيناريوهات التغيير في البحرين أيضاً إمكانية ظهور معارضة سنية راديكالية تختلف أيديولوجياً وتنظيمياً مع قدرات حزب الله أو حزب الدعوة التقليدية. فهل لدى واشنطن الاستعداد والقدرة على دفع التكاليف والثمن للتغيير السياسي في البحرين والمنطقة؟