أستغرب ممن يقول إن الأزمة يجب أن تطوى صفحتها، وأستغرب ممن يقول إن "خلاص” الأمور الآن طيبة ولا داعي للنظر في الماضي، بل أستغرب ممن يقنع نفسه بـ «النسيان» ويطالب غيره بأن ينسى تحت ذريعة فتح "صفحة جديدة”.من يريد أن يفتح صفحة جديدة مع الإرهاب فهذا شأنه وعليه بالتالي أن يتحمل التبعات، عليه أن يجهز ظهره لمزيد من الضربات والطعنات، فهؤلاء لن يقبلوا بأي شيء يشاطرهم فيه بقية مكونات المجتمع، بل يريدون ما يفرضونه دون تنازل أو تراجع، يريدون الحكم والاستفراد بمصير البلاد والعباد، فمن يركض باتجاههم اليوم فليجهز نفسه لضربة غدر جديدة.أما بشأن النسيان، فكيف تتم مطالبة الناس بصورة مباشرة أو ضمنية أن يتجاوزوا عما حصل؟! كيف تريدون للناس أن تنسى أن بلادهم كادت تذهب في غمضة عين؟! كيف ينسون أن بناتهم تم التعرض لهم في الشوارع وفي الجامعة؟! كيف يتجاوزون عن استهداف أبنائهم في المدارس؟! وكيف ينسون التعامل العنصري الطائفي في مستشفى السلمانية المحتل؟! كيف ينسون من تم قتله من رجال واجب، بل كيف ينسون مشهد دهس الشرطي بالسيارة حتى الموت والتمثيل بجثة آخر وقذف الحجارة على رأسه؟! كيف ينسون فعاليات "المولوتوف” الليلية، وكيف ينسون شعارات التسقيط ودعوات الرحيل وتخوين الناس؟!في الجانب الآخر هم لا ينسون أي شيء، لا يقبلون أبداً بفتح صفحة جديدة، حتى مع بدء عهد الإصلاحات بقيادة جلالة الملك كانوا ومازالوا يصرون على العودة لما سبقه بسنوات طويلة، يمسكون على الدولة والمجتمع ولو "زلة” واحدة، ولو "خطأ” يرتكبه أفراد ليطالبوا بمحاكمة نظام بأكمله ويقرروا الحكم عليه بالزوال، ويحاكموا شعباً بكافة طوائفه يتهمونه بالعمالة والبلطجة فقط لأنه وقف في وجه مخططهم الانقلابي.إن نجحتم في دفعهم على النسيان وهذا أمر مستحيل ويثبته التاريخ، وإن نجحتم في إقناعهم بقبول الحلول الدبلوماسية واستعادة أي نوع من المكاسب بواسطة حوار هنا أو تفاهمات هناك أو حتى بضغط دولي من قبل المنظمات والدول التي تدعمهم، فإنكم لن تنجحوا في محو كل ما حصل من أذهان المخلصين، لن تنجحوا في فرض رأي أو قناعة لدى البشر الذين تضرروا ومازالوا جراء الأزمة.لن ينسى المخلصون ما حصل أبداً، فما كان مقدراً لهم ليس "سحابة صيف” ستعبر والسلام، بل لن ينسوا مجسمات الشنق ورافعة التعليق في الدوار وما تعني من دلائل، بل لن ينسوا بأن هناك دماء أبرياء أزهقت وزاهقوها مازال القانون لا يطبق عليهم، ولن ينسوا جمل التحريض وعبارات الكذب وزج اسمهم زجاً في الانقلاب.إعادة اللحمة للمجتمع وإعادة لم الشمل لا تكون بدعوات كلامية ظاهرها شعارات جميلة وباطنها دعوات "النسيان”، بل إعادة اللحمة ولم الشمل تتأتى بالضرب بيد من حديد على من يواصل مشروعه بتفتيت المجتمع، من يواصل مساعيه لشق الصف البحريني الوطني، ومن شغله الشاغل تقسيم الناس لأضداد سعياً لإشعال فتيل مصادمات تصل لحرب أهلية لا يحمد عقباها.اطلبوا منهم أن ينسوا وانظروا ردهم، بالتالي لا يمكن للنسيان أن يأخذ موقعاً في أزمة البحرين، الشعب المخلص لا يطالب بالانتقام رغم أن الأطراف المؤزمة كشفت وجوهاً قبيحة ونفوساً مليئة بالكره والحقد ورفعت شعارات دموية فيها نزعات الانتقام ورغبات التشفي، الشعب المخلص يريد "حقه” نعم "حقه” بتطبيق القانون على من أخطأ وألا يسدل الستار على ما حصل وكأنها حادثة عابرة والسلام.من يطالب غيره بالنسيان، ومن يمل من إلحاح المخلصين اليومي بتطبيق النظام وانتقاد التهاون في التعامل مع الإرهابيين، عليه أن يخبرنا لو أن الضر مسه مباشرة في أهله ونفسه، فهل سيقبل بالنسيان؟!دولة كادت تختطف، وشعب بطوائفه وأطيافه تضرر، وبعد كل ذلك تأتي شخوص بكل برود لتدعو الناس لتجاوز ما حصل بغض النظر طبق القانون أو لا، وتدعوهم للنسيان بدعوى لم الشمل وإعادة اللحمة الوطنية! مؤسف حينما يدعى أصحاب الحقوق للتنازل عن حقوقهم نزولاً عند رغبة من لا يعترف لا بدولة ولا نظام ولا قانون ولا مكونات أخرى.