قد تكون أولى الخطوات للإصلاح السياسي في أي مجتمع مرتبطة بالإصلاح القانوني؛ فالثقافة القانونية طريق لا بد من سلوكه لبناء دولة القانون التي هي دوماً الضمانة لحقوق الأفراد والجماعات والحاضنة الطبيعية للتعايش السلمي، من هنا أتى هذا الاهتمام المبكر بأهمية الثقافة القانونية المجتمعية في الدول المتقدمة على كافة الصعد، وهو ما كان له أبعد الأثر في تكوين شخصية الأفراد ووعي المواطنين واحترامهم للقانون، سواء كانت هذه الثقافة تمس الجوانب البيئية، الصحية، الأمنية...وإذا كان أحد أهم مقاصد الثقافة القانونية هي معرفة الأفراد لما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات ووعيهم لحدود مسؤولياتهم الفردية والعلاقة القانونية بينهم كأفراد وبينهم وبين المنظومة المجتمعية وبينهم وبين الدولة، فمما لا شك فيه أن ضياع الكثير من الحقوق كان المتهم الرئيس فيها هو الجهل بالقوانين والإجراءات بل والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنضم إليها البلاد، وهو جهلٌ لا يختص به رجل الشارع؛ بل يمتد ليشمل آخرين في مواقع اتخاذ القرار، ولا يتوقف عند أعضاء السلطة التشريعية وأصحاب الاختصاص بالتشريع الذي يتطلب دراية قانونية تمكن نائب الشعب تحت قبة البرلمان من أداء الأمانة وتقدير الأمور حق تقديرها، وإذا كان جهل رجل الشارع بالقوانين لا يحميه استناداً إلى المبدأ القانوني القائل «لا يعذر أحد بجهله بالقوانين»، فإن وصول الجهل القانوني إلى مواقع اتخاذ القرار له آثار أخرى لا تبدأ عند تفويت مصالح المجتمع وغياب الأولويات القانونية وتعارض القوانين وتداخل السلطات، ولا تنتهي عند وضع البلاد في مواجهة مع المجتمع الدولي نتيجة عدم وعي مسؤولي الصفوف الأولى بطبيعة المعاهدات والمواثيق الدولية المبرمة.وعليه تصبح الثقافة القانونية مسؤولية الدولة الضامنة لإنفاذ القانون وتطبيقه والمالكة الأساسية لأدوات التوعية الإعلامية والتربوية، والقادرة على حمل الأفراد على الالتزام به والمشرفة على حسن تطبيقه، لذا فمسؤولية التثقيف القانوني تقع على عاتق الدولة في المقام الأول، وهو دور يوجبه عليها القانون وتلزمه بها المعاهدات والاتفاقيات الدولية، ثم إن هذه المسؤولية تقع على السلطة التشريعية التي لا يعول عليه في هذا الأمر نظراً لأن انتخاب الكثير من النواب قد أتى في ظل غياب الوعي السياسي، وكان رهاناً طائفياً ودينياً بامتياز، إضافة إلى عدم وعي الناخب والنائب بالدور التشريعي والخلط بين دور المجلسين النيابي (التشريعي) والبلدي (الخدماتي)، ونتيجة لعجز أعضاء مجلس الشورى القيام بموازنة تحد من أثر الخلل القائم في البرلمان، وهو ما أقعدهم عن القيام بهذا الدور الرائد الذي يعكس الشراكة الديمقراطية في أبهى صورها لانعزالهم عن المجتمع في أبراج عاجية بعيداً عن الواقع وانغلاقهم في لوبيات ضيقة غير معنية بالتواصل والوصول مع المعني الأول بالقانون وهو المجتمع بكافة فئاته ضمن خطط واضحة تستهدف رفع الوعي الثقافي القانوني.ولا شك أن دور مؤسسات المجتمع المدني والإعلام له ثقله في تثقيف الأفراد بما لهم وعليهم بموجب ما كفله لهم الدستور والقانون.ولعل أبرز المحطات التي تدل دلالة قطعية على وجود عجزٍ هائل في التثقيف القانوني هي تلك الجهود التي بذلت على استحياء لتثقيف المجتمع بأهمية التعديلات الدستورية الأخيرة، والتي غاب عنها حسن التخطيط والإدارة، ما أدى إلى رد الفعل المجتمعي البارد في تعامل معها وكأنها تعديلات تخص دستور دولة في قارة أخرى.