الخلاف الفكري الذي نشب بين جناحي السلطة؛ دعاة ولاية الفقيه المطلقة بزعامة علي خامنئي وجماعة ما يعرف بالحركة المهدوية التي يمثلها بالهرم السياسي محمود أحمدي نجاد والقائلة بنظرية «عصر الظهور» أي قرب ظهور الإمام المهدي الغائب، تسبب هذا الخلاف في فك التحالف الذي كان قائماً بين الجناحين وتحول إلى صراع سياسي محتدم بينهم بلغ حد محاولات كل منهما استخدام جميع الأساليب السياسية والقضائية والإعلامية، الأخلاقية منها واللاأخلاقية، لإزاحة الجناح الآخر. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، حيث لم يبق على موعدها سوى أقل من سبعة أشهر، أخذ هذا الصراع يزداد حدة بين جناحي المرشد والرئيس، وأصبح كل منهما يحاول تعزيز مواقفه الانتخابية عبر اللجوء إلى كشف عورات الجناح الآخر، وفيما أخذ جناح الرئيس أحمدي نجاد (الذي تشير التكهنات الواردة عن سعيه الحثيث لترشيح مدير مكتب الرئيس ومستشاره الخاص رحيم اسفنديار مشائي للانتخابات الرئاسية) بالعزف على وتر الشعارات القومية من قبيل الحديث عن ضرورة إحياء الهوية القومية والوطنية الإيرانية عبر كيل المديح لصاحب ديوان «الشاهنامة» الشاعر الفارسي الشعوبي أبوالقاسم الفردوسي، والذي يعده الشعوبيون أنه محيي اللغة الفارسية في إيران التي كادت أن تندثر بعد أن أصبحت اللغة العربية، ولمدة تقارب ثلاثة قرون، هي اللغة السائدة في بلاد فارس. وبمناسبة إحياء الذكرى السنوية للفردوسي، الشهر الماضي، قال أحمدي نجاد: «إن إيران عاشت مدة ثلاثة قرون خدعة تاريخية اسمها الخلافة الإسلامية، لكن الله قيض لنا الشاعر الفردوسي الذي كتب ديوان الشاهنامة الذي هو بمثابة تفسير للقرآن!» على حد تعبيره، إلى جانب ذلك حاول أحمدي نجاد اللعب على وتر حقوق السجناء والمعتقلين في سجن أيفين السيئ الصيت، والذي يخضع لإدارة السلطة القضائية التي يعتبر رئيسها صادق لاريجاني من المقربين للمرشد وشقيق رئيس البرلمان الحالي علي لاريجاني، حيث يعد هذا الأخير أبرز مرشحي جناح المرشد للانتخابات الرئاسية، غير أن السلطة القضائية عارضت زيارة نجاد للسجن، وقالت لا يمكنه القيام بذلك إلا بموافقة مسبقة منها، وهو ما دفع بجناح أحمدي نجاد لصب هجومه على فساد السلطة القضائية واتهامها بارتكاب انتهاكات إنسانية وقانونية بحق نزلاء هذا السجن، وقامت الأجهزة الموالية لنجاد بالكشف عن معتقل سري في طهران يدار من قبل عناصر تحمل بطاقات شخصية وتصاريح بحمل السلاح صادرة من السلطة القضائية، وتمتلك أجهزة اتصال وكلاباً بوليسية مدربة وسيارات حديثة، وهو ما شكل صدمة للسلطة القضائية التي التزمت الصمت.وفي خطوة انتقامية منها ضد جناح الرئيس نجاد، قامت السلطة القضائية باعتقال أحد أبرز سماسرة العملة الصعبة في إيران ويدعى يدالله روز چنگ، وذلك بهدف التشهير بالفساد الحاصل في حكومة أحمدي نجاد؛ فقد كشفت السلطة القضائية تفاصيل عن الشخص المذكور قائلة إنه كان خبازاً في مدينته النائية قبل أن ينتقل إلى طهران ليعمل سائق أجرة، ثم مهرب أقمشة من شمال العراق إلى إيران قبل أن يتعرف علي رحيمي، النائب الأول للرئيس أحمدي نجاد، الذي صنع منه أكبر تاجر عملة في إيران وصاحب أكبر محل للصيرفة في دبي يعرف باسم صراف «زريوار». وقالت السلطة القضائية أن يدالله روز چنگ يملك في حسابه 6 مليارات دولار يشتبه أنها جزء من أموال تقدر بمائتي مليار دولار استقطعت من مبيعات النفط خلال السنوات السبعة الماضية من رئاسة أحمدي نجاد، وهذه الأموال لم تودع في البنك المركزي ولم تقدم الحكومة تفاصيل أين صرفت، وكيف صرفت، ولماذا صرفت؟، ويتهم جناح المرشد مقربين من أحمدي نجاد بالفساد المالي، ويقول إنهم قاموا بتوظيف سماسرة يديرون أعمالاً تجارية وشركات صناعية داخل إيران وخارجها أنشئت من أموال النفط المختفية.ويرى المراقبون أن ما سيخلفه الصراع المحتدم بين أجنحة النظام من آثار على الوضع السياسي العام والحياة المعيشية للشعوب الإيرانية سوف لن يكون أقل من آثار أي حرب عسكرية خارجية.