لم يولِ الله سبحانه وتعالى منذ العصر الجاهلي حتى يومنا هذا على العرب في جزيرة العرب إلا كرامهم، تولية خالصة لا ينازعهم فيها أحد، لأن خصائص الولاية والقيادة لا تكون إلا بكرم الخصال وطيب النفوس وسمات الوجوه التي يتخللها مطالع الهيبة والوقار، إلا أن التواضع هو صفتها الدائمة التي تكون نبتة متلازمة مع امتداد ذرياتهم، وها نحن بالأمس تطلع علينا ذراري أحمد الفاتح رحمه الله، من صرح التعليم والحضارة، ومنارة التفوق والازدهار لأي دولة تقوم على أساس النهضة بالعلوم لتكون دولة قوية تسخر التقدم العلمي كسلاح قوي يردع الأعداء عندما تتوالد وتتكاثر من هذا الصرح أجيال قوية النفوس شديدة الحمية تحفظ الجميل لهذا البلد تتعلم في جامعاته ومعاهده وتكون له الذراع المعين والساعد المتين في النهضة والعمران، لا أن تكون اليد المفسدة المبطلة التي تأخذ باليمين وتطعن بالشمال.ولقد بزغ مع السادس عشر من ديسمبر 2012 أبناء أحمد الفاتح الكرام؛ حمد وخليفة وسلمان، بوجوه مهللة ومباسم منفرجة وعيون صادقة وصدور ملؤها المحبة ويد كريمة وقامات شامخة لفها المجد من أخمص قدميها إلى قمة رأسها، وفاض منها فامتلأت البحرين شرفاً وتكريماً من هذه الوجوه المضيئة التي تزيل بطلتها آثار الصدى المتراكم على القلب والغشاوة التي على العيون بعد رؤية الوجوه القترة المظلمة التي غشتها الذلة والمظلمة.نعم؛ إنها البحرين التي أكرمها الله وحرمها على الظلمة المجرمين الذين يريدون أن يعيدوها إلى تاريخ القرامطة المدمر، حيث لم يترددو في زعيمهم سرقة حتى بيت الله، وقد قيد التاريخ سرقة الحجر الأسود، فليس كذباً ولا خيالاً ولا تبلياً سرقة الحجر الأسود على يد القرامطة، وفعل بالحجيج ما فعل من قتل، فأمر أن يدفن القتلى في بئر زمزم، ودفن كثير منهم في أماكن من الحرم، كما هدمت قبة زمزم، وقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها، ثم اقتلع الحجر الأسود، هذه نبذة من أقوام حرم الله عليهم ولاية الناس، وإن كانت لهم ولاية لا تكون إلا سفكاً للدماء وهتكاً للأعراض، وهذا مثال نعيشه اليوم وهو ولايتهم على دولة العراق، فقد قامت إيران بسفك دماء المسلمين في أفغانستان وعلى أرض الشام وأجرت الدماء أنهاراً على أرض العراق، إنها الولاية التي لم يمنها الله إلا على يد الكرام الذين يقدرون حياة الإنسان وحرمة سفك الدماء ويحفظون على الناس أعراضهم ويؤمنونهم في ديارهم.وهذه البحرين قد حظيت بهذه الخلافة، وهاهم يبزغون كالنجوم على منبر العلم والحضارة التي جعلوا من خلالها أرض صحراء صرحاً علمياً شرب منه القاصي والداني دون تفريق، ونرجو من قيادتنا الكريمة أن تولي هذا الصرح الذي كان شاهداً على ظلام ذلك اليوم الذي فيه نشبت يد الجهلة الظلمة فعاثوا بين صفوفها ودهاليزها الفساد؛ فسفكوا الدماء وهتكوا الأعراض وأتلفوا البناء، الصرح الذي يجب إعادة النظر فيه وبناؤه على أساس الإخلاص للدين والأمة والوطن.وما دمنا قد ذكرنا القرامطة؛ فلا بد أن نأتي بنبذة على ما أصاب البحرين منها في وقتها؛ حيث كان قرامطة البحرين هم أشد الفرق بأساً وأقواهم شوكة، وتزعمهم رجل اسمه أبو سعيد الجنابي، وهو فارسي الأصل، وقد نال الناس في البحرين من هذه الفرقة الكثير من الأذى والإفساد، وهم الذين قاموا بالجريمة الشنعاء ومذبحة الحرم الشهيرة، وهذه الأيام تدور والسنين تعود وتنال البحرين من هذا الأذى والإفساد، لكن لله الحمد فقد اشتدت شوكة المؤمنين الذين عرفوا كيف تسد الأبواب على الشر، وها هم يعيدون حضارة أجدادهم ويجددونها عاماً وكل عام بإصرار وعزيمة تكبح وجوه المفسدين الذين يظنون أنهم قد يقدرون على نزع الحكم من كرام القوم وأسيادهم، لكن هيهات؛ فها هي ذراري أبناء أحمد الفاتح الذي فرت منهم القرامطة وزحفت على بطونها وظهورها عندما سمعوا صهيل خيله وركضة رجاله الصادقين الصالحين الذين لا يوالون ولا يثقون في شخص له تاريخ غدر أو إنكار معروف، إنهم ذراري الفاتح الذين يحكمون البحرين وسيبقون بإذن الله حتى يرث الأرض وما عليها، وقد آن الأوان أن يطهروا هذا الصرح ويطهروا دواوينهم ومجالسهم وطاولاتهم من يد كل غدر يمكن أن يكون منفذاً يخرج منه قرامطة جدد، فقسم بالله أنهم لو وجدوا فسحة أو منفذاً فلن يرحموا رفيقاً ولن يذكروا جميلاً، فهم أوفياء مخلصون لمرجعهم الذي لا يرضيه إلا سفك دماء الناس، كما سفك أجداده القرامطة.فلله دركم يا ذراري الفاتح فقد أشرقت البحرين ونورت سماؤها عندما بزغت وجوهكم المنيرة المضيئة على منبر الحضارة، إنها الوجوه المباركة «حمد وخليفة وسلمان».