يميل الكثير من الناس في أثناء المحاضرات الصفيّة أو اجتماعات العمل إلى العبث بأقلامهم ليجدوا أنفسهم أمام رسوماتٍ عشوائيةٍ اختطتها أيديهم على المساحة الفارغة من الورق الواقعة تحت أيديهم، وعادةً ما تكون هذه الرسوم منقوشةً على الهامش أو مركونةً على زاويةٍ من الكتاب، وهم يقومون بهذا العمل آلياً، أي من دون وعيٍ، وبلا أيِّ هدفٍ محددٍ، وبالتالي فثمة اعتقاد شائع أنه ليست هناك قيمة جمالية أو ثقافية تُذكر لهذه الرسوم، ولا معنى للحديث حولها.غير أنه تبين لعلماء النفس أن هذه الرسوم التي تظهر بشكلٍ لا شعوري وغالباً ما تذهب طيّ النسيان، يمكن أن توحي حقاً بنمط شخصيّة الفرد المعني، وأن الرجال أكثر ميلاً من النساء لتنفيذها. إن هذه الرسوم، بنظر النفسانيين، والمختصين في تحديد طباع الفرد من خطه، تمثل إبداعاً خاصاً باعتبارها نتاجاً للنشاط اللاشعوري للفرد، ولو تمعن فيها لوجد أشياءً هامةً بالفعل. فالمركبات التي يرسمها الرجل تعبر عن رغبته اللاشعورية في تحقيق المتعة الذاتية من العلاقة العاطفية، أما القلوب فتشي بشخصية رجلٍ غير متكلف، ومخلصٍ، ورومانسي بطبيعته، لكنه يستميت في حجب هذه الصفة، ومع ذلك تفضحه رسوماته؛ وفيما يتعلق بالأشجار فإنها توحي برجلٍ نزيهٍ، طيبٍ، يحب تكوين صداقات وعلاقات ودية مع الآخرين، ويتعامل معهم بشهامةٍ ملحوظةٍ، دون أن يخفي مشاعره تجاههم أو يعمد إلى تمويهها؛ وإذا كانت الرسوم على هيئة أزهارٍ فإنها تعكس شخصية العاشق الولهان الذي يميل إلى مداعبة النساء أو التغزل فيهن. ولكن إلى أي مدى يصدُق هؤلاء النفسانيون في تفسيراتهم للصور العشوائية للفرد؟ أتصور شخصياً أن الرسوم اللاشعورية قد تنم فعلاً عن المشاعر المكبوتة لدى الأفراد، وعادةً ما يلجأ إليها الشخص حينما يكون متضايقاً نفسياً أو يشعر بالضجر والرتابة في المكان، باعتبار أن هذا هو المتنفّس الوحيد له في ذلك الحين، لكن المبالغة في تقدير هذه الرسوم قد لا تكون في محلها تماماً، فالإنسان في بعض الأحيان يقوم بأشياءٍ قد لا تعبر أصلاً عن رغباته وطموحاته، ولا ترتبط بشخصيّته الحقيقية، فتراه أحياناً يرسم خطوطاً وأشكالاً لمجرد قتل الوقت، والتسلي بالورق الذي أمامه، ربما لأنه لا يجد في تلك اللحظة ما يشبع احتياجاته الدفينة، ويبرز قدراته ومواهبه!