كانت دور العبادة عبر تاريخ المسلمين، تعتبر من أبرز محطات نشر الوعي والثقافة الإسلامية الغزيرة، وكانت المساجد حينها منارات للعلم والمعرفة، بل هناك الكثير من الفلاسفة والعلماء من أبناء المسلمين، تخرجوا من رحم تلك المساجد.كانت المساجد قِبلة لتلقي العلوم والمعارف الإنسانية، ومنها خرجت رايات الإصلاح والحب والتسامح والتآخي بين بني البشر، لهذا استطاع المسلمون عبر تلك المساجد الشامخة العظيمة من نشر الإسلام بطريقة متحضرة، كما تمكنوا عبرها من التبليغ بالطرق الملتزمة والواعية دون الحاجة إلى سفك قطرة دم.أما اليوم، ومع دخول الإسلام السياسي على خط الدعوة واقتحامه لدور العبادة، بدأنا نسمع ونشاهد ما لم نكن نسمعه ونشاهده من قبل. أصبحت المساجد مراكز للتحريض الطائفي ومواقع لنشر ثقافة الكراهية بين المسلمين أنفسهم، كما أصبحت المنابر المنصوبة في دور العبادة منابر للتصلُّب والتشنُّج وكسر العظام ولي الذراع، أما الخطب الدينية فإنها باتت تفتقد لأدنى مقومات الخطاب الديني المسؤول والراشد، كما إن غالبية الخطباء تديرهم محركات السياسة والانتماءات الحزبية والطائفية.هذا الواقع المرير ليس واقعاً بحرينياً خالصاً، بل هو واقع إسلامي وعربي أيضاً، لهذا فإن من تربى اليوم تحت كنف مساجدنا الحاضرة، هم مجموعة من الشباب الذين نذروا أنفسهم للموت في المعارك (الغلط).اختفت من قواميس مساجدنا مفردات جميلة كالتسامح والمودة والحب والسلام والأخوة، وحلت محلها معانٍ قاسية ومتحجِّرة كالشتائم واتهام الآخر المختلف بأبشع التهم وتكفير وتفسيق بقية أبناء المسلمين، وبدل أن يخرج من تحت عباءة الأئمة والخطباء والوعاظ مجموعة من الشباب المهتم بنشر الإسلام السَّمح، وبنشر تعاليمه الخيِّرة بين بني البشر، رأينا الكثير من شبابنا العربي وهم يجوبون أقطار العالم من غربه إلى شرقه يحملون معهم مفخخاتهم وألغامهم وكراهيتهم وجنونهم لتصديرها للعالم، حتى أصبح الإسلام العظيم مشوهاً ومشوشاً في أذهان أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية!.في حوارٍ خاطف مع بعض الآباء المعتدلين من العقلاء في البحرين، وجدتُ أن غالبية هؤلاء الآباء وأولياء الأمور يمنعون أبناءهم من الذهاب إلى المساجد، وإصرارهم الشديد على أن يؤدوا صلاتهم في المنزل، لأن مساجدنا لم تعد المكان الآمن والمناسب لاحتضان أطفال أبرياء في عمر الزهور، كما يعتقد هؤلاء الآباء.يخبرني أحد الآباء بأنه ولحرصه على أن يكون طفله ملتزماً بتعاليم الدين الحنيف، وحرصاً منه أيضاً على أن يقوم طفله بتأدية فريضة الصلاة في المسجد بدل المنزل، لما لها من أجر عظيم وثواب كبير، قام بأخذه لمسجد الحي، لكنه بعد فترة زمنية بسيطة وجد أن طفله بدأ يعتنق بعض الأفكار الدينية المتطرفة، كما لاحظ على سلوكه كثير من التغيير نحو الأسوأ، حينها أدرك أنه أخذ طفله إلى المكان الخاطئ، لهذا أسرع في سحب ابنه من المسجد، لأنه ومع الأسف الشديد أدرك أن مساجد اليوم ليس هي مساجد الأمس.من قبل كان المسلمون يشجعون أبناءهم للصلاة في المسجد والاستماع للخطيب أو للدروس الدينية، أما اليوم فإنهم يحاذرون كل الحذر من المساجد، لا لعيب فيها، إنما لعيب شنيع في من يديرها ومن يقوم بعمليات (غسيل دماغ) لأطفال ذنبهم الوحيد أنهم يريدون أن يتطهروا وحسب.. وحسبي الله ونعم الوكيل.