دائماً ما تتشدق الجماعات الراديكالية بأنها كانت السبب "الرئيس” وراء نيل البحرين استقلالها عندما قدمت إلى البلاد البعثة الدولية لتقصي الحقائق من خلال الأمم المتحدة مطلع السبعينات من القرن العشرين، وعن طريقها أقر رئيس اللجنة رغبة شعب البحرين في الاستقلال مؤكداً عروبته. هذه اللحظة التاريخية المهمة من التطور السياسي للدولة، دائماً ما تستغل وتجتزأ قسراً لصالح أجندة معينة، فما يتم التسويق له هو أن شعب البحرين أكد عروبته، وبالتالي لا يمكن النقاش حول هذا الموضوع، عندما تثار مسألة ارتباط الجماعات الراديكالية بالخارج وتحديداً إيران.هذا الطرح مردود عليه، لأن المواقف هي التي تؤكد انتماء البحرينيين لوطنهم العربي الكبير، فالأفعال تختلف كثيراً، والقضية الفلسطينية مثالاً واضحاً على ذلك، فهناك من يتضامن مع الأشقاء الفلسطينيين إيماناً بقضيتهم، وهناك من يتضامن مع الأشقاء الفلسطينيين التزاماً بالتعليمات الإيرانية، كما هو الحال بالنسبة للاحتفال بيوم القدس. شريحة واسعة من الجمهور لديها العذر لأنها آمنت في عيسى قاسم كشخصية ثيوقراطية تتحكم في قناعاتها ومواقفها وحتى سلوكها السياسي. لماذا؟عيسى قاسم من بداية نشاطه السياسي في البحرين عندما نال شرف الجنسية البحرينية في نهاية الستينات لم تكن مواقفه أبداً قائمة على تعزيز الانتماء العروبي، فأصوله الفارسية كانت تحول دون ذلك، بالإضافة إلى أجندته السياسية التي تتقاطع مع الثيوقراطية الحاكمة في طهران. عيسى قاسم دخل المجلس التأسيسي الذي وضع دستور البلاد، ولاحقاً انتخب نائباً في برلمان 1973، ولكن هل دافع يوماً عن إحدى القضايا العربية؟ قد لا تشكل مثل هذه القضايا اهتماماً لدى نطاق الاهتمامات الواسعة لدى عيسى قاسم، فاهتماماته تقوم على كيفية معارضة قانون الأحكام الأسرية، وكيفية البحث عن ضمانات "دستورية” له، واهتماماته تتركز كذلك على كيفية مواجهة رجال الأمن من خلال إصدار الفتاوى على غرار "اسحقوهم”، واهتماماته تتركز أيضاً على كيفية الدفاع عن الإرهابيين بعد أن تورطوا في الأعمال الإرهابية بسبب تعليماته، ولا تتركز على كيفية الحفاظ على أمن رجال الأمن خلال دفاعهم على الدولة.جماهير عيسى قاسم عربية ولا يمكن المساومة على عروبتها أبداً، ولكن من حقنا إثارة تساؤلات تتعلق بدعم هذه الجماهير لمن لا يكترث بانتمائهم العروبي، ويضرب هذا الانتماء الأصيل عرض الحائط، دون أدنى احترام لهذه الجماهير العربية الأصيلة على أرض البحرين. عندما أثيرت المبادرة الخليجية للاتحاد، كيف كان موقف عيسى قاسم؟ وبماذا وجه الجماهير؟ الإجابة معروفة، فمشروع الاتحاد يجب ألا يكون على حساب الإرادة الشعبية التي يمثلها عيسى قاسم، فهو الذي يوجه الجماهير لرفض المشروع أو دعمه أو التحفظ عليه. وليس مهماً ما إذا كان هذا المشروع يتلاقى مع انتمائهم الخليجي العربي الأصيل، فالانتماء يجب أن يكون للأيديولوجيا التي يمثلها وليس لانتماء الجماهير العربية. وهذا ما يفسر صمت عيسى قاسم الدائم عن أية قضايا ترتبط بإيران، وآخرها مشاركة راديكاليين في اجتماع مع مسؤولين في إيران كـ "ممثلين عن محافظة البحرين”. بالإمكان الرجوع إلى خطب عيسى قاسم، وبالإمكان أيضاً الرجوع إلى مواقفه السياسية المنشورة عبر موقعه الإلكتروني، والمنشورة كذلك في الصحافة المحلية، وستكون نتيجة الاهتمام بالقضايا العربية وانتماء جماهيره العربية صفراً.