قادتني الأقدار أن أدخل مع أحدهم إلى مكتب لاستقدام الأيدي العاملة لتقديم طلب لخادمة آسيوية، ليس لي بطبيعة الحال، لأني لا أحبذ وجود غريب في منزلي، حين طلب صاحبنا (شغالة) بصورة مستعجلة من مدير المكتب أخبره أنه لا توجد لديهم (شغالات) غير مستعملات، فقال له صاحبنا وهل لديكم شغالات (second hand)؟ فقال له نعم.ولأن صاحبي في أمس الحاجة، كما يقول لشغالة قال لمدير المكتب وصاحبه، هل لي أن أرى ما لديكما من شغالات؟ فرد عليه بكل تأكيد. لحظات وإذا بمجموعة من الشغالات الإندونيسيات يخرجن من غرفة داخلية، حينها قال مدير المكتب لصاحبي: اختر منهن ما تشاء وادفع ثمنها (كاش) وخذها معك حالاً!!.تحيَّر صاحبي فيما يختار، ولأنه يريد خادمة آسيوية على وجه السرعة قرر دفع مبلغ 930 ديناراً على الفور، وأخذ الشغالة وطار بها إلى المنزل مسروراً.لم تنته لعبة الجواري عند هذا الحد؛ بل هناك مجموعة من الإعلانات الخاصة بالاتجار بالبشر تُنشر في الإعلانات الخاصة بمكاتب استقدام العمالة الآسيوية (النسوة منهن تحديداً)، تؤكد أن أسعار الشغَّالات تتفاوت حسب الجنسية ومدى مقدار إجادتها للعربية أو الإنجليزية، وأن سعر الجارية المسلمة تفوق ما سواها من أصحاب الديانات الأخرى!.لم يكن منظر الخادمات وهن يقفن في صفٍ واحدٍ في مكتب استقدام الأيدي العاملة كي يختار الزبون إحداهن بالأمر اللائق على الإطلاق، فهذا الأمر يذكرنا تماماً بسوق النخاسة وبتجار الرقيق الأبيض في عصور ما قبل الإسلام وفي العصور الوسطى، لكن هذا الأمر لم يعد مستحسناً إطلاقاً، ونحن قد دخلنا القرن الـ21، كما لا ينسجم هذا السلوك القبيح مع ما ذهبَتْ إليه الاتفاقيات الدولية التي ناضلت في سبيل تحرير المرأة من رق العبودية، وتحرير الإنسان من السوق الخاصة بتجارة العبيد مهما كان لونه وجنسه ودينه وانتماؤه.إن بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، والذي اعتُمد وعُرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 25 الدورة الخامسة والخمسون المؤرخ في 15 نوفمبر2000، يعتبر أمراً صريحاً للغاية لا لبس فيه، إذ عالج قضايا تجريم الاتجار بالبشر، ومساعدة الضحايا ومتابعة أوضاعهم، ومن ثم إرجاعهم لأوطانهم، ومنع ذلك عبر حزمة من التدابير والقوانين والتدريبات والتدابير الحدودية كذلك، إضافة لأمن الوثائق وشرعيتها وشروطها.هذه القوانين الدولية المتحضرة صادقت علها غالبية دول العالم، وبهذا التصديق تكون تلك الدول ملزمة بتطبيق بنود هذا العهد الدولي، ومراقبة هذا الملف بصورة لصيقة.ليس تبسيطاً أو تسطيحاً لقضايا العاملات الآسيويات في البحرين، كما سيحاول أن يفهم البعض، ليجعل منه محوراً لحديثنا هنا، بل المسألة تتعدى وصف عاملات يُعْرَضن بطريقة مهينة في مكتب استقدام الأيدي العاملة في المنامة، بل هناك سلوكيات مخالفة للأخلاق والقانون تدخل في نطاق الجريمة المنظمة، كقضايا الدعارة وغيرها، واستخدام النساء اللاتي يأتين من دول فقيرة لسد الحاجة وتوفير لقمة العيش عبر طرق الابتزاز واستخدامهن في قضايا غير مشروعة.تبدأ الحكاية بمكتب مغمور للعمالة الأجنبية في إحدى العمارات النائية، ومن ثم تنتهي بقصص استخدام المرأة في قضايا الدعارة، عبر الاتجار بجسدها من أجل حفنة دنانير، مع غياب واضح للدور الرسمي في منع هذه التجاوزات الفظيعة... وللحديث صلة