يبدو أن هناك إشكالية واضحة للعيان فيما يتعلق بممارسة العمل الحقوقي في البحرين رغم التوجه الاختياري للمملكة بمراعاة كل ما من شأنه حفظ حق الإنسان وصون كرامته. فمراعاة حقوق الإنسان تعد ركناً أساسياً من أركان المشروع الإصلاحي لجلالة الملك الذي دخلت به البحرين عهداً سياسياً جديداً عام 2001.يستند مفهوم حقوق الإنسان على الإقرار بما لجميع أفراد الأسرة البشرية من قيمة وكرامة أصيلة، فهم يستحقون التمتع بحريات أساسية متساوية وعادلة، ولأن البحرين آمنت بذلك وسعت لتحقيقه كان تأسيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وتوسيع صلاحياتها واستقلاليتها، كما أنشأت وزارة حقوق الإنسان، واهتمت الدولة ورعت مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان.وشهدنا في بضع سنين تأسيس خمس جمعيات بحرينية لحماية ومراقبة حقوق الإنسان، وانضمامها إلى 24 اتفاقية دولية متعلقة بحقوق الإنسان، من أبرزها؛ اتفاق القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري (1990)، واتفاقية مناهضة التعذيب (1998)، واتفاقية حقوق الطفل (1992)، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (عام 2002)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (2006)، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (2010)، وعدد من المواثيق في مجال الحريات النقابية العمالية وغيرها الكثير.إذاً أين تكمن الإشكالية؟ المشكلة باعتقادي في تأثر العمل الحقوقي وتبعيته للوضع السياسي المحتقن الذي تعيشه البلاد منذ فتنة 2011، إذ في واقع الحال من المفترض أن تختلف أدوار الجهات المعنية بحقوق الإنسان في المملكة (وزارة حقوق الإنسان، مؤسسات المجتمع المدني، المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان) وبالتالي تختلف مواقفها وخطاباتها وتعاطيها في الظروف.فوزارة حقوق الإنسان لديها دور واضح في تبيان مساعي الدولة لتحقيق التزاماتها فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والدفاع عن مواقفها، وتوضيح جهودها ونقل الصورة من هذا المنطلق لمؤسسات وهيئات حقوق الإنسان في الخارج والداخل، وخلق شراكات مع المنظمات الدولية لدعم دور وجهود المملكة في هذا الجانب.في حين تراقب مؤسسات المجتمع المدني تطبيق الدولة لتعهداتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان ومدى التزامها بها، وتلعب دور الخصم النزيه الذي لا يزايد عليها ولا يشهر بها، وفي نفس الوقت يقف على جانب حقوق الناس بغض النظر عن جنسهم أو انتمائهم الديني أو الأيديولوجي أو جذورهم. فالمؤسسات المدنية العاملة في مجال حقوق الإنسان والناشطون الحقوقيون يشكلون جماعات ضغط تراقب التزام الدولة بتعهداتها فعلياً وترصد أي تجاوزات إن حدثت، وتقف إلى جانب الناس وتدافع عن حقوقهم وكرامتهم، وهي إن قامت بهذا الدور بشكل صحيح ومهني تساعد الناس في نيل حقوقهم وتساعد الدولة أيضا بالالتزام بواجباتها من خلال إرشادها لأي تجاوز ومنعها من انتشار أي ممارسات مخالفة لالتزاماتها الدولية، وهو دور أصيل ومفترض أن يكون مقدراً من الجميع (المجتمع والدولة).نأتي لدور المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان؛ إن هذا المؤسسة وباعتبارها جهة مستقلة لا تتبع الجهاز التنفيذي وليست من مؤسسات المجتمع المدني، تقوم بدور الموازنة (بين جهود وزارة حقوق الإنسان في الدفاع عن الدولة وبين مساعي منظمات حقوق الإنسان في الدفاع عن المجتمع، ليس من خلال فرضية أن الدولة ضد المجتمع ولكن من باب تنوع وتكامل الجهود)، فتعمل على رصد واقع الممارسة حتى لا تبالغ وزارة حقوق الإنسان مثلاً في دفاعها عن الدولة، فتتستر على تجاوزاتها أو تحاول الدفاع عن خروقاتها (إن حصلت). في الجهة الأخرى، وحتى لا تعمل مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية على التقليل من دور الدولة واتهامها والتصيد لها والتشهير بها دون وجه حق، وبذلك تكون المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان كرمانة الميزان التي تضمن أن لا تميل كفة على أخرى وتسعى للحفاظ توازن صحيح في تطبيق ممارسة العمل الحقوقي في المملكة، وهي بذلك لا تكون من حيث المبدأ خصماً لجهة أو منحازة لجهة دون أخرى، فتحدث عملية التكامل السليمة التي تحفظ للجميع حقوقه.الإشكالية في البحرين أن هذه الأدوار يشوبها خلط في التطبيق، فنجد بعض مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية تقوم بالمزايدة على الدولة فتتهمها وتشهر بها وتوظف الملف الحقوقي لأغراض سياسية، ونجد بعضها الآخر كردة فعل جند نفسه للدفاع عن الدولة وممارساتها!! وهذا ليس بدورها بل دور وزارة حقوق الإنسان، كما تصدر أحياناً تصاريح من وزارة حقوق الإنسان ليست في محلها كتلك الأخيرة التي تحدثت عن تعينات جديدة في المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وأحدثت لغطاً وفسرت بمحاولة هيمنة الوزارة على المؤسسة رغم عدم تبعية المؤسسة لها!!هذه هي الإشكالية الحاصلة حالياً ومردها أمران؛ أولهما أننا ما زلنا نعاني من تبعات أزمة 2011 التي قسمت المجتمع إلى نصفيين وحولت كل الملفات إلى ملفات سياسية يبحث كل طرف فيها عن مكاسب سياسية أولاً، والسبب الآخر هو حداثة تجربة العمل الحقوقي عندنا، ويقيني أن هذه الإشكالية ستحل مع نضوج التجربة وبالممارسة خاصة في حال حلحلة الملف السياسي، وحينها سيجني الجميع ثمار العمل الحقوقي الصحيح الذي أراده جلالة الملك حين دشن مشروعه الإصلاحي قبل الصقيع العربي بعقد كامل.