مر عام على رحيلك يا أخي، هكذا تقول نسوة الحزن من أهلك ممن يحسبون فراقك بالأيام والساعات والثواني.. أما أنا فإن حساب الزمن، كما تعرفني، مُغيبٌ عندي، لا أجيده ولا يشغلني. ولكني أقيس رحيلك الفاجع بمعيار الألم والحب، فكلما ازداد ألمي عليك وتسع حبي واشتياقي إليك أعرف بأنه مضى زمن أكبر على فراقك.. أشعر بأن وجعي منك وشوقي إليك يكبران ويتسعان مع الوقت كما الكون الذي يكبر ويتسع بمضي الزمن.ماذا عساني أن أكتب عنك في هذه المناسبة؟ من أين ابدأ؟ وماذا أقول؟، فأنا أيضاً لا أجيد لغة الرثاء، ماذا عسى لشخص مثلي عمل في السياسة وتاه في دهاليزها وخاض في أوحالها ومارس لغة المنافع والمصالح طيلة خمسة وثلاثين عاماً أن يكتب عن كائن جميل مثلك؟.. أخشى ما أخشى يا أخي إن فعلت أن يخدش قلمي كل القيم الجميلة التي باركها الله في نفسك. هل أكتب عن الطيبة وطهارة القلب؟، والله لم أرَ في حياتي من هو أطهر وأطيب منك.. عن ماذا أكتب عنك يا أخي؟، هل أكتب عن السخاء والكرم؟، أقسم بالله العظيم الذي لا إله إلا هو لم أعرف في حياتي من هو أسخى وأكرم منك.. أشعر وأنا غير مغالي، بأن الطيبة قد ثـُكلت بغيابك، وأن الكرم والسخاء قد تيتما من بعدك.. عن ماذا أكتب عنك يا أخي؟، هل أكتب عن حبك للناس الذين لم يخطر في بالك قط أن تسأل عن أجناسهم وألوانهم وأطيافهم، أم أكتب عن حب الناس لك؟ أم أتحدث عن هذه العلاقة التبادلية الجميلة التي لا انفصام بينهما والتي غرستها ورويتها بجمال خلقك.. والله أكاد أجزم يا أخي بأنه لا يوجد في البحرين ولا في خارجها من لا يحبك.. نعم، أجزم بأنه لا يوجد من لا يحب أخي المرحوم محمد بن علي بن إبراهيم الماجد ذلك الإنسان الجميل، النقي، الطيب، الودود، المحب، السخي، الكريم، الرياضي المعروف الذي خرجت قبل سنة جموع مهيبة من شعب البحرين الكريم يوم تشييعه في حشد لم تشهده مدينة الحد في تاريخها، وأرسلت مدن البحرين وقراها فلذات أكبادها إلى ذلك اليوم المشهود وإلى أيام العزاء التالية له في تجسيد حي لطيبة ووحدة هذا الشعب الكريم رغم المحن والصعاب التي ألمت به.. لله درك يا بوعلي، ما أجملك حياً وما أجملك ميتاً، لقد جمعت أهل البحرين وأنت ميت في وقت عز على الأحياء أن يفعلوا فعلك، لقد أحببت في حياتك أهل البحرين جميعهم فأحبوك، وفي يوم مماتك اجتمعوا عليـك ولم يختلفوا فيك.. لله درك يا أخي، كيف اسـتطعـت أن تجمع كل هذه القـلوب وكـل هذا الحب من حولك؟.أتعرف يا أخي سر ذلك؟.. أخالك لا تعرف، لأن الجميل عادةً لا يعرف سر جماله، والعظيم قد لا يعرف عن أسباب عظمته.. ولكني سأخبرك عن سرك.. لأنك، وبكل بساطة يا عزيزي، رجل تعرف كيف تخلق السعادة وتنشرها أينما حللت، وتعرف كيف تزرع الفرح أينما نزلت وأينما رحلت.. هذا هو سر عظمتك وسر جمالك، وهذه هي صناعتك يا أخي، وأشهد بأنك لا تعرف ولا تجيد صناعة غيرها. لعمري إنك أنت والسعادة والفرح صنوان متشابهان متلازمان.. تلك هي صفاتك يا أخي، وهذه هي رسالتك التي عشت وقضيت من أجلها.. فهل لك بعد ذلك أن ترى ما يمكن أن يصير إليه حالنا بعد أن رحلت عنا؟!. لقد ذكرتني يا أخي نسوة الحزن والحساب من أهلك بمضي عام على رحيلك، وأنا وهم، يا حبيبي، رغم مرور هذا الزمن مازلنا بموتك موجوعين.. نبحث عن يوماً جميلٍ يطل علينا من بعدك.. نستجدي الفرح، الذي كان مقيماً بيننا، أن يزورنا ولو ساعة.. ساعة من نهار أو ليل.. نغسل فيها أوجاعنا وأحزاننا وندخل السرور في قلوب أطفالنا.. ولكنه يأبى أن يعود يا أخي.. أظنه يخشى أن يأتي ولا يجدك بيننا!. قبل أن أودعك يا أخي، لا تعتبر حديثي هذا معك حديث رثاء.. فأنا، كما قلت لك، لا أجيد هذا الفن، ولكنه حديث شوق فاضت به كبد حرى.. إنه شوق أخٍ لأخيه، وحب شقيقٍ لشقيقه.. ما أكبره يا أخي من حب، وما أوجعه يا أخي من شوق. اللهم ارحم أخي محمد بن علي الماجد رحمة ما منها عذاب، وجازه عنا بقدر المحبة والطيبة والسعادة التي أضفاها على حياتنا، وأغفر له يا رب بقدر الحزن والألم واللوعة الذي تركه رحيله فينا.. اللهم آمين، اللهم آمين، اللهم آمين.