الحوار أداة سياسية لمعالجة مشكلة قائمة أو مشكلة محتملة، ولذلك كان أداة الدولة البحرينية لمعالجة تداعيات أزمة 2011. عندما أطلق الحوار الأول في صيف ذلك العام شاركت فيه مختلف مكونات المجتمع بما فيها الجمعيات السياسية الراديكالية، ولكن «الوفاق» سرعان ما انسحبت منها. طبعاً سبب الانسحاب الغرور المفرط بالقوة السياسية، وسوء التقدير، وهو ما دفعها لتخسر الكثير رغم الفرص الواعدة لتحقيق كم هائل من المكاسب. الآن أعيد استكمال الحوار في المحور السياسي فقط، وفي القضايا غير المتوافق عليها من ذلك الحوار. ومضت بضعة أسابيع على بداية استكمال الحوار، فلماذا مازال الحوار يراوح مكانه؟لن نلقي بالتهم والمسؤولية جزافاً، ولكن من المهم التأكيد على أن هناك حلقة مفقودة في استكمال الحوار، ويبدو أن ثمة أطراف يعنيها عدم استكمال هذه الحلقة المفقودة. المفقود بين كافة الأطراف هو الثقة السياسية، وهي مسألة طبيعية للغاية بعد مرور المجتمع بحالة عميقة من الصراع السياسي أدت إلى انقسام حاد نعيشه اليوم. كان مطلوباً من كافة الأطراف المشاركة في الحوار الانخراط في نقاش وصولاً إلى توافق عام بشكل القضايا الأساسية، ولكن المشاركين في الحوار انخرطوا في مناقشة العديد من الأمور الشكلية مثل آليات الحوار، وطريقة التوافق، ومن يمثل من، وأساليب التنفيذ، والضمانات المطروحة. وهو ما جاءت به الجمعيات السياسية الست الراديكالية بقيادة «الوفاق» لتنكث عن توافقها السابق، وهي بلاشك خطوة تمثل بداية حالة زعزعة الثقة السياسية المفروض بناءها في هذه المرحلة من استكمال الحوار. كان من المفترض من جميع المشاركين الانخراط في بناء الحد الأدنى من الثقة السياسية التي يمكن البناء عليها، واستكمال التحاور وصولاً لتفاهمات أساسية. فلا يمكن أن يكون هناك حوار دون حد أدنى من الثقة السياسية، ومتى مازالت انتهت الحاجة للحوار، فلا قيمة للحوار ومخرجاته دون ثقة متبادلة. هل يعني ذلك نهاية الحوار؟ وعدم حاجتنا له الآن؟كلا، فالحوار انطلق ليستمر، ويجب الإصرار على استمراريته بشكل يدعم بناء الثقة السياسية أولاً، ومن ثم الشروع في مناقشة القضايا الأساسية التي يبنغي التوافق عليها. الجمعيات السياسية الست الراديكالية يجب أن تدرك أنها يوماً بعد آخر تثبت عدم جديتها في الحوار، بالنكوص عن توافقات تم الانتهاء منها، وبطرحها كمية من المسائل الهامشية بشكل الحوار وطريقة تمثيله، فمن يرغب في الحوار بشكل جدي لا يمكن أن يراوغ بهذه الطريقة المكشوفة التي بدأت برفض إدانة العنف بكافة أشكاله، ثم رفض توافقات الأسابيع الماضية من الحوار. شعب البحرين بمختلف مكوناته لن يكون في خسارة كبيرة إذا سعت الجمعيات السياسية الست الراديكالية إلى إفشال الحوار، بل من سيكون في خسارة هي جماهير هذه الجمعيات التي اشترت الوهم الذي باعتها جمعياتها منذ سنوات طويلة باسم الدين.