هاتفني ابن المحرق قبل أيام، بالطبع تذكرونه جيداً، ذلك المحرقي الذي بينت لكم ظروف معيشته الصعبة في مقالات سابقة، فأخبرني بصيغة سؤال بريء؛ هل اتصل بك أي مسؤول في الدولة أو أية جهة رسمية تسألك من أكون وما هي ظروفي واحتياجاتي؟ فقلت له (لا والله.. سلامتك)، فقال لي وكله خيبة أمل.. (توقعت)!!.هي إحدى حالتين، إما أن كثيراً من المسؤولين والجهات الرسمية لا تقرأ الصحف، أو أنهم يقرؤون ولا يحسون بهموم المواطنين، وفي كلتا الحالتين يتجلى مفهوم المصيبة العظمى.حين هاتفني ابن المحرق، وبعد أن تناولنا أطراف الحديث، عرفت جيداً أن الرجل الستيني يعيش ظروفاً صعبة للغاية، وها هي إحضاريات المحاكم تلاحقه مطالبة إياه بتسديد ديونه، لهذا فهو اختار أن يترك منزله ليعيش في شقة منعزلة بمفرده، تجنباً كما يقول (من عوار الراس) ومشاكل المحاكم.يقول ابن المحرق (أنا لا أتهرب من سداد الديون، لكن أنا في الحقيقة لا أملك المال لسدادها). نحن نقول؛ هل خلت البحرين من فاعلي الخير؟ هل تخلت الجهات المسؤولة عن مسؤوليتها ولو بالسؤال عن وضعية هذا الرجل الستيني البحريني، لمعرفة هل باستطاعتها فعل أي شيء له لتجنيبه كل أنواع الحاجة أو الإحراج؟.يخاطبني ابن المحرق قائلاً (صحيح أنني حين تحدثت معك حول مشكلتي، كنت أبحث عن مخرج لما أنا فيه، لكن وقبل كل شيء، سأظل عيِّنة مجتمعية تصلح أن تكون نموذجاً للكثير من البحرينيين الذين ضغطتهم الحياة المادية، فأصبحوا في أصعب حالاتهم اليوم).نحن تحدثنا من قبل عن هذه المشكلة، ولن نغلق هذا الملف أبداً حتى تتحرك الدولة على حلحلته بطريقة موضوعية وواقعية، ألا وهو مساعدة البحرينيين المتعثرين مالياً، لأن هناك كثيراً منهم يستحق المساعدة والنظر في أوضاعهم المالية من أجل تصحيحها. نحن لا نتحدث عن (الجمبازية والملاوصية)، بل نتحدث عن الذين اعترضتهم عوارض أكبر من واقعهم، أو ألمتْ بهم ظروف لم يستطيعوا مواجهتها، وربما ابن المحرق الستيني يعدّ نموذجاً صارخاً من النماذج البحرينية التي تحتاج ظروفها المادية إلى إعادة تأهيل ليعودوا إلى ممارسة حياتهم الطبيعية في أوساط المجتمع.كهل من المحرق عصفت به الدنيا، حتى رمته بقسوة على صخرتها، وها هو اليوم لديه ولدان يدرسان في المدرسة، ولديه ولدان آخران عاطلان عن العمل، أما هو فمتوار عن الأنظار خشية المساءلة غير الأخلاقية!!.هذه القضية من القضايا التي يجب أن تعالج بطريقة علمية ووفق دراسات معتبرة حتى تستطيع الدولة إرجاع هؤلاء المواطنين المتعثرين مالياً إلى صفوف المجتمع، وحتى لا تَعْلَق مفاهيم خاطئة في أذهان الناس بأن هؤلاء مجموعة من (الحرامية) الهاربين، بل هم مواطنون شرفاء قدموا للوطن الكثير الكثير، لكن الزمن وربما الناس وربما الدولة لم ينصفوهم جميعاً، فأصبحوا يمدون أيديهم للمساعدة والسؤال في الخفاء تعففاً وطلباً للستر.إذا لم يسأل عنك أحد هذه المرة يا بن المحرق سوف أُسمِّي الجهات المختصة بشأنك ووضعك بأسمائها والسلام.
Opinion
من هي الجهات الرسمية المسؤولة عن هذا الرجل؟
15 أكتوبر 2012