أتصوّر أن تكريس ثقافة العقلانية في مجتمعنا البحريني يرتبط إلى حدٍ كبيرٍ بضرورة الوقوف ضد محاولات تزييف الوعي، باعتبارها خطراً يهدِّد الحركات والثورات الاجتماعية، فقوى الثورة المضادة تتخذ من الوعي الزائف سلاحاً لإجهاض الثورات، كما هو حاصل في الوقت الحاضر في البلدان العربية التي اندلعت فيها ثورات جماهيرية تطالب بالحريّة والديمقراطيّة.والحال أن ظاهرة تزييف الوعي ليست وليدة اليوم، فالتاريخ يذكرنا بأن صعود القوى الفاشية في ألمانيا الهتلرية جاء بفضل قدرة الحزب النازي على التسلّل للعقل الجمعي للجماهير، وقيادته تدريجياً باتجاه تشرّب مبادئ الحزب وأفكاره، والتشبّث الأعمى بها، وصولاً إلى تجسيدها على أرض الواقع، من خلال إقناعهم بضرورة سيادة «العرق الآري» على شعوب العالم قاطبةً. وتتخذ ظاهرة تزييف الوعي عدة مظاهر أبرزها طرح شعارات هلاميّة تستهدف تضبيب الجماهير، بإلهائهم عن أهدافهم الأساسية، وجرّهم إلى فتنٍ وحروبٍ أهليةٍ، وعادةً ما تكون هذه الشعارات برّاقة المظهر، وفارغة المضمون في آنٍ واحدٍ، فالبريق يجلب لها المؤيدين من عامة الناس الذين لا يمحِّصون في أغلب الأحيان في جوهر الأمور، بل يتمسّكون بقشورها، ويبنون على ذلك قناعاتهم وتوجهاتهم التي سرعان ما تتحوّل إلى سلوكيّات منافية للعقل والبصيرة. فبالعودة إلى الفاشية، نجد أن الحزب الذي كان يقوده أدولف هتلر كان يُسمّى «حزب العمّال الألماني الاشتراكي الوطني»، ويلاحظ في هذه التسمية كيف تم الخلط بين الوطنية بالاشتراكية، ودغدغة مشاعر العمّال بصفتهم صنّاع الحياة، ووقود التظاهرات والثورات، وارتبط الاسم بألمانيا كي يقتنع المواطن الألماني البسيط أن هذا الحزب يمثِّله، ويمثل جميع أفراد الشعب، وأن غزو البلدان الأخرى واحتلالها وقهر شعوبها هو «واجب وطني» بالدرجة الأولى، فالفلاح الذي يريد أن يزرع أرضاً ليس بحاجةٍ لأن يبحث عنها في وطنه الأم، بل يستطيع الحصول عليها في أي قطرٍ في العالم، وبهذا المعنى مهّد الفكر الفاشي الطريق لاستعباد البشر، وتحطيم إرادتهم، والفضل هنا للاتحاد السوفيتي الذي استطاع دحر الفاشية والنازية، ووقف عملية تزييف الوعي!
Opinion
تأصيــل ثقافــة العقلانيـــة في مجتمعنا.. ضرورة وطنية ملحة (11)
09 ديسمبر 2012