سألني الصديق: لماذا لا تتقبل الديمقراطية -الدينية ولا تتقبل أن تكون الديمقراطية تحت مظلة الدين والدينيين على سبيل المثال، في حين تقبل المجتمع العربي خلال نصف قرن الديكتاتورية العسكرية والمدنية على حد سواء تحت عنوان الديمقراطية الشعبية والديمقراطية الاشتراكية؟قلت: الديمقراطية كما أفهمها هي معادلة الحكم الرشيد الذي يضمن الحرية والعدالة وبين المشاركة الحرة للشعب، وهي في النهاية نقيض التسلط والعنف والديكتاتورية وتقديس الأشخاص مهما علا شأنهم، ولذلك أجد صعوبة بالغة في فهم أو تقبل الديمقراطية– الدينية (تماماً مثلما أجد صعوبة في تقبل الديمقراطية الشعبية في صيغتها التسلطية التي يحضر فيها كل شيء إلا الشعب)، وذلك لسبب منطقي وبسيط، وهو أن الديني ينتمي إلى المطلق إلى المقدس إلى الميتافيزيقي، والديمقراطية مجالها السياسة والسياسة نطاقها زمني، أي نسبي وإنساني وغير مقدس.ولذلك فإن أي حديث عن علاقة الدين بالديمقراطية يبدو لي كعلاقة الميتافيزيقيا بالواقع المعيش، فالدين مجال الإيمان والتسليم والقداسة، في حين السياسة مجال النسبية والمراجعة والتحول والتغيير والتطور، وربط المقدس المطلق بالزمني النسبي يضر بالاثنين معاً.هكذا أفهم الأمور ولا أرى كيف يمكن أن يتم المزج بين المجالين دون أن يتوقف كل طرف عن أن يكون كما هو، فالدين عندما يتم الزج به في لعبة السياسة يفقد الجانب الأهم فيه وهو الإطلاق والتسليم والنقاوة والقيم، والسياسة عندما تريد أن تتلبس بالدين وتوظفه وتستغله تتحول إلى شكشوكة حقيقة بلا هوية بل إلى جملة من المتناقضات والمفارقات التي نراها في «جمهورية الإسلام الوحيدة في العالم» وهي جمهورية الملالي في إيران، كما سبق أن رأينا نموذجاً ثنياً لنفس اللعبة بطريقة مقلوبة عند نظام ملالي طالبان الذي أطاح به الأمريكان، بالإضافة إلى نموذج الدولة الإسلامية في السودان عبر انقلاب 1987م والذي أطاح بوحدة السودان بعد أن لعب لعبة الشريعة ثم تقسيم البلد إلى مؤمنين وكافرين، وهكذا تبدأ اللعبة الجديدة بعد ثورات «تسليم المفاتيح» على حد وصف الكاتب محمد حسنين هيكل».قال: الذين يحاجون اليوم بنفس حججك يعبرون في الحقيقة عن خوف من اكتساح الإسلاميين للشارع السياسي، ولا تبدو لي المسألة مسألة مبدأ فلسفي نظري؟قلت: تلك قضية أخرى فالنظام الديمقراطي بشكله الغربي يعتمد على صناديق الاقتراع، وهذا النموذج قد لا يكون مناسباً في هذه المرحلة لبلداننا لأن صناديق الاقتراع يمكن أن تأتينا بأغلبية متسلطة تكرس الطائفية والأصولية الدينية على حساب الديمقراطية نفسها، ويجب أن نتذكر أن الفاشية والنازية قد وصلتا إلى السلطة بأغلبية انتخابية مطلقة ضمن نظام انتخابي ديمقراطي، ولكنهما أوصلتا ألمانيا وإيطاليا والعالم كله إلى كارثة نعرفها جميعاً.. كما إن المناظرة حول مدى الانسجام والتنافر بين الإسلام والديمقراطية قد تفضي إلى الإقرار بوجود تناقض بين الإسلام والديمقراطية؛ كون الإسلام نفسه لا يقبل بالقيم الغربية وبالممارسة الديمقراطية التي تستند إلى حكم الأغلبية والقوانين والتشريعات التي تقرها الأغلبية، ولكن عندما تكون هناك قيم دينية تتنافى مع القيم الديمقراطيّة وتعمل على نفيها وإلغائها ولا تسمح لها بالدخول، ففي هذه الصورة تبرز مشكلة كبيرة، وهنا يجب إعادة النظر في نظام القيم الموجودة في هذا المجتمع والعمل على ترميمه وتجديد بناء الفكر الديني.قال: ولكن ثمة من يبشر بديمقراطية الإسلام؛ على أساس أن جوهر الديمقراطية من صميم الشريعة الإسلامية، وأن ادعاء التنافي بينهما خطيئة.قلت: صحيح أن النـزعة الإسلامية في النظام الإسلامي غير منفصلة عن النـزعة الجماهيرية، فحينما نقول «نظام إسلامي» فمن غير الممكن غض الطرف عن الجماهير، لذلك فالديمقراطية الدينيةـ ذات فلسفة وأسس خاصة بها تختلف عن أساس الديمقراطية الغربية، الديمقراطية الدينية منبثقة من الحقوق والواجبات الإلهيةـ ليست مجرد عقد سياسي- اجتماعي قابل للنقض بين الحاكم والمحكوم بناء على برنامج سياسي- اقتصادي، كما هو الشأن في البلدان الديمقراطية في الغرب، ولذلك لا يمكن وصفها في النهاية بالديمقراطية، ولذلك أحترم الموقف الإسلامي الواضح والصريح والذي يؤكد بأنه لا يعمل في سياق الديمقراطية الغربية.