أي حوار يخص "أمن” مملكة البحرين ومنطقة الخليج العربي ويستثني الإحصائيات الواردة في هذا المقال فهو حوار منقوص غير مكتمل لا يخدم الغرض الذي من أجله اجتمع المشاركون في منتدى "حوار المنامة”.نرجو من المشاركين وهم يتباحثون عن "أمن” المنطقة، أن يقرأوا هذه الإحصائيات ويتمعنوا فيها جيداً لأنها تهم كل المعنيين بأمن المنطقة واستقرارها، وتهم المعنيين بنشر ودعم الديمقراطية بالأخص فيها. ارتكبت الجماعات الراديكالية في البحرين خلال أقل من عام الأعمال التالية، والموثقة بالأدلة والمستندات، والتي رآها عموماً الإنسان العادي لأنها تحدث كل يوم أمام عينيه:- قامت الجماعات الراديكالية البحرينية بـ (11 ألف) حالة عنف منذ يناير 2012 (أي بمعدل 34 عملاً كل يوم).- 465 حالة اعتداء على رجال الأمن، منها 65 حالة تسببت في عاهات دائمة تشمل بعضها حروقاً بالغة.- عدد الوفيات بين رجال الأمن ستة وإصابات للعديد من المواطنين، آخرها قبل ليلتين، إصابة ثلاثة مدنيين نتيجة انزلاق سيارتهم بعد سكب الزيت على الشارع بتعمد. - استهداف وتدمير 120 سيارة شرطة.- استخدمت الجماعات الراديكالية في احتجاجاتها غير القانونية 2105 قضبان حديدية (ما يعادل 18 طن حديد)، و556 أسطوانة غاز و14022 زجاجة مولوتوف حارقة (أي أن المعارضة الراديكالية منحت لكل 23 بحرينياً أداة قتل منوعة بين المولوتوف وقضبان الحديد أو تفجير السلندرات).- الشرطة صادرت منذ بداية العام الجاري 8695 إطاراً كانت معدة للحرق، وكذلك 776 جالون بنزين لإشعال الإطارات وصناعة المولوتوف (حوالي 198 برميل نفط).- ضبط 14 ألف عبوة مولوتوف معدة للحرق.أي حديث عن "الأمن” لا يضم هذه الإحصائية فهو لا يعني الإنسان المقيم على هذه الأرض، أي حديث يستثني هذه الإحصائيات وهذه الوقائع ويحللها ويضع مرتكبيها في تصنيف الإرهاب؛ فإنه حديث متواطئ مع هذا الإرهاب.للتذكير فقط أن تعدادنا كبحرينيين لا يزيد عن 650 ألف مواطن، وكمقيمين لا نزيد مليوناً، لذا فإن تلك الإحصائيات تشكل عائقاً لنا أمام العيش وممارسة حياتنا بشكل طبيعي.نعم.. اسمحوا لي أن أتحدث بصراحة؛ نحن شعب طموح ولدينا تجربتنا الحديثة في تبني الأدوات الديمقراطية لإدارة شؤوننا، وقد أشاد رؤساء وحكومات عديدة منكم بهذه التجربة الحديثة قبل بضعة أعوام فقط، وتم توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية والبحرين، لأن مملكة البحرين استوفت الاشتراطات العديدة التي من ضمنها توافر الحريات المدنية والديمقراطية. فخلال عشر سنوات فقط تم تأسيس 13 حزباً سياسياً و650 مؤسسة مدنية بمعدل مؤسسة لكل ألف مواطن، وتأسيس اتحادات عمالية ونقابات مهنية، وأصبحت نسبة النساء في السلطة التشريعية 25%، ولدينا قوانيننا المنظمة للاحتجاجات وقوانيننا المنظمة لحق الإضراب، ولدينا قوانين تمد المظلة التأمينية إلى أن تصل إلى التأمين ضد التعطل.وتمتع المواطن البحريني بكل هذه الحقوق السياسية عبر السنوات العشر الأخيرة، فكانت المسيرات الاحتجاجية تسير بمعدل اثنتين في الأسبوع، تنظمها قوى سياسية احتجاجاً على مواضيع متنوعة تخص الحقوق الإنسانية، واشتركت قوى سياسية قاطعت الانتخابات الأولى، ونزلت بقائمة من 18 مرشحاً فازوا كلهم وشكلوا أكبر كتلة نيابية.دلني على دولة عربية حققت معدل نمو اقتصادي وصل إلى ما يقارب 6%، والأولى في الحريات الاقتصادية وفق معيار (هرتيج فونديشن)، ودخل الفرد فيها يصل إلى 40 ألف دولار في السنة، ولديها هذه المساحة من الحريات، ولدى مواطنيها تلك الأدوات الديمقراطية التي مع التعديلات الدستورية الأخيرة أعطت لنواب الشعب الحق بقبول أو رفض الحكومة من خلال التصويت على برنامجها وإسقاط الحكومة في حال رفض هذا البرنامج، كما إن السلطة الرقابية بالكامل مقتصرة على الغرفة المنتخبة. لم نصل للكمال.. نقر بذلك ولدينا طموح كبير بتطوير التجربة ونحتاج لخبرة تراكمية لن تتحقق إلا بالممارسة في ظل أجواء سليمة وصحية ومشجعة.إنما حين حدثت الاضطرابات في بعض الدول العربية استغلت القوى الراديكالية في البحرين هذه الأجواء وأحدثت اضطرابات وأعمال عنف وخرجت بها عن مسارها الذي توافقت عليه مع القوى السياسية المتعددة في البحرين، والتي ارتضت إدارة شؤونها ضمن الأطر الدستورية. وطوال الفترة العصيبة الماضية حاول شعب البحرين والأطياف السياسية المتنوعة فيه إيصال وجهات النظر المتباينة والمختلفة مع تلك القوى الراديكالية للمجتمع الدولي، إلا أن حكومات دولكم تجاهلت ولمدة طويلة ما قامت به هذه الجماعات ومنحتها دون غيرها من الجمعيات السياسية توصيف (المعارضة)، بل و(أمر) رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أن يجلس رأس الدولة في مملكة البحرين مع هذه الجمعيات دون غيرها متجاهلاً عدة حقائق من ضمنها عنف هذه الجماعة وممارساتها التي تندرج ضمن الأعمال العنيفة والإرهاب، ومتجاهلاً حقيقة تعددية المجتمع البحريني وتعقيداته، ومتجاهلاً واقع التجربة الديمقراطية الحديثة التي أشادت بها الإدارة الأمريكية نفسها قبل عدة أعوام، فكان ذلك التصريح بمثابة الدعم لهذه الأعمال التي زادت حدتها وعنفها، وكان ضحيتها هو المواطن البحريني البسيط العادي.لقد أثارت هذه السياسة الانحيازية حفيظة المجتمع البحريني المتعدد الأطياف، هذه السياسة المبنية على معلومات لم يتم تحديثها ولم يتم التأكد من دقتها، فجاءت النتيجة مخيفة لنا ومهددة لمصلحة الأغلبية؛ بل ومهددة لمصالح المجتمع الدولي الحيوية في المنطقة.من الذي يخاف الآن من سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة بعد هذا الموقف من الأحداث في البحرين.الاعتدال، الوسطية، الليبرالية، المرأة، رأس المال، الأقليات الدينية، السنة.. كل هؤلاء يشعرون بتهديد لوجودهم بعد أن اصطفت الولايات المتحدة الأمريكية وحتى بريطانيا -لبعض الوقت- مع قوى راديكالية أقصت كل هذه الأطراف من عملها السياسي، والشواهد و الأدلة أكثر من أن تحصى.من الذي نشط في المنطقة نتيجة هذه السياسة الانحيازية؟القوى المتطرفة على الجانب الآخر، وأقصد تحديداً على الجانب السني، ذلك الفكر الذي لم يكن له مكان في البحرين وجد الآن بيئة خصبة كي ينشر أفكاره ويبثها ويجد له مستمعين ومؤيدين حتى بين الاعتدال والليبراليين، فالمخاوف والهواجس أصبحت قاسمهم المشترك.هل تعي الولايات المتحدة الأمريكية معنى هذه النتيجة؟هل تدرك تبعات هذه النتيجة على الأمن والاستقرار في البحرين وفي المنطقة ككل، أسئلة لابد أن تكون ضمن حواركم الذي نتمنى أن يخدم بالفعل أمن واستقرار هذه المنطقة. على الهامش لا بد من التذكير ببضع حقائق نرجو ألا تغيب عن بالكم وأنتم تناقشون أمن منطقتنا.الأولى؛ كم بلغ عدد (المفاجآت) التي اصطدم بها التواجد الأمريكي في العراق والمهددة لأمنه وأمن جنوده بعد عدة سنوات من التعامل الحقيقي والواقعي مع ما هو موجود في أوراق وملفات كانت موضوعة على طاولة الإدارة الأمريكية؟ كيف زاد عدد المهددات الأمنية من أفراد وجماعات عراقية اليوم للتواجد الأمريكي في العراق؟ والأخطر أنها عناصر مهددة من جهات يفترض فيها الولاء المطلق للمصالح المشتركة الأمريكية العراقية، حتى أصبحت حكومة كحكومة المالكي تتصرف كخصم للولايات المتحدة الأمريكية، والأمثلة نراها في مسار (العلاقات الروسية العراقية، العلاقات الايرانية العراقية، العلاقات السورية العراقية، العلاقات بين حزب الله والحكومة العراقية، وآخرها قصة علي الدقدوق)!!هل نتعلم؟ هل نستفيد؟ أم لابد من تكرار الأخطاء ودفع الثمن غالياً؟
Opinion
حوار المنامة.. اسمحوا لي أن أقول رأيي بصراحة
09 ديسمبر 2012