كان من ضمن أهم ما هو متوقع من القمة الثالثة والثلاثين لقادة مجلس التعاون الدفع بمسيرة العمل الخليجي المشترك خاصة في المجالات الاقتصادية، إضافة طبعاً لكل ما من شأنه أن يعزز روح المواطنة الخليجية لدى مواطني دول مجلس التعاون، بما يحقق تطلعاتهم نحو التكامل والاتحاد المنشود الذي هو هدف القادة والشعوب منذ نشأة المجلس عام 1981 الأمر الذي تؤكده وثيقة التأسيس (تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع المجالات وصولاً إلى وحدتها، وتعميق الروابط والصلات بين شعوبها ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني وتشجيع تعاون القطاع الخاص).الواقع يقول إن الاتحاد الخليجي سيأخذ شكل اتحاد كنفدرالي لا يمس بسيادة الدول الأعضاء كما هو حال الاتحاد الأوروبي، لكن هذا الأمر سيأخذ مزيداً من الوقت للدراسة ولبنائه على أسس صلبة حتى لا يكون شبيهاً باتحادات عدة قامت في المنطقة العربية ولم يكتب لها النجاح.ورغم أننا كشعوب نريد أن نرى قيام الاتحاد في أقرب، لكن يجب أن لا ننسى أن خطوة عملاقة كهذه ستفرض على كل الدول التزامات عديدة لابد من دراستها بتأني ووضوح، الأمر الذي عبر عنه ربما وزير الشؤون الخارجية العماني السيد يوسف بن علوي؛ إذ قال (إن فكرة الاتحاد غير مفهومة بالنسبة لنا من حيث التطبيق والآليات ولا من حيث الحاجة أو الإيجابيات أو السلبيات)، وهذا كلام يجب أن يأخذ بالاعتبار إلى جانب وجود بعض الاختلافات في نظم الحكم في دولنا وتكوينها السياسي.لذلك يبدو الاتحاد (التكتل) في كيان اقتصادي قوي أكثر سهولة وربما يكون البوابة التي من خلالها يتم التوصل لاتحاد خليجي شامل، خاصة بوجود مشاريع تم التوقيع عليها فعلاً كالاتحاد الجمركي والعملة الموحدة والربط الكهربائي والقطار التي لو أنجزت كما يجب لقطعت الدول أشواطاً طويلة في موضوع التكتل الاقتصادي بشكل فاعل ومؤثر على مستوى العالم، كما إن الاتفاقية الاقتصادية الخليجية موقعة منذ زمن طويل عام (1981م)، ووقعت أخرى مماثلة خلال الدورة الـ(22) من قبل المجلس الأعلى، وهذه الاتفاقية الحديثة نقلت العمل المشترك من مرحلة التنسيق إلى مرحلة التكامل، وتشمل عدة جوانب مثل الموارد البشرية إلى جانب تفعيل الاستراتيجية السكانية وتوطين القوى العاملة وتدريبها وزيادة نسبة مساهمتها في سوق العمل، كما إن جميع دول الخليج منتجة للنفط وتمثل أكثر من (65?) من احتياطي الأوبك، وتعادل (40?) من الإنتاج العالمي.رغم كل هذه ذلك يرى الاقتصاديون وجود معوقات تبطئ من جني ثمار الاتحاد الاقتصادي فمشاريع كالاتحاد الجمركي والعملة الموحدة لم تفعل بعد، كما وهناك عقبات عديدة منها حصر ممارسة تجارة الجملة في أنشطة معينة ووضع قيود على تملك الأراضي والأسهم وإعطاء أفضلية للمنتج المحلي على المنتج الخليجي بغض النظر عن الجودة والسعر وعدم السماح بقيام شركات بدون شريك وطني، وعدم السماح بفتح فروع للبنوك التجارية ومعاناة أصحاب الأعمال من قيود تحد من حرية التبادل التجاري وغيرها!!قد يبدو ذلك مستغرباً خاصة في ظل كل ما يربط دولنا من مصالح مشتركة ومقومات اجتماعية وتاريخية وثقافية وتوجهات سياسية ووحدة المصير والأهم وجود كيان جامع كمجلس التعاون الخليجي، في حين يشهد العالم توجه دول كبرى نحو التكتلات الاقتصادية كمجموعة الثمان التي يمثل مجموع اقتصادها 65% من اقتصاد العالم، أيضاً دول الآسيان الشرق آسيوية التي وضعت خرائط طريق لـ11 قطاعاً حددتها كأولوية للتحرير وهي السيارات وصناعات المنسوجات والملابس والتجارة الإلكترونية والرعاية الصحية وخطوط الطيران والسياحة والمنتجات الخشبية والمنتجات، هذا طبعاً عدا تجربة الاتحاد الأوروبي الذي بدأ كمنطقة تجارة حرة بموجب اتفاقية «روما» عام 1958 ثم تدرج مستوى الاندماج وتعمق بشكل مستمر إلى أن وصل عدد الدول الأعضاء في إلى الاتحاد إلى 25 دولة بعد انضمام دول أوروبا الشرقية فأصبح من أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم. إن هذه التكتلات الاقتصادية تتيح للدول الحصول على مزايا الإنتاج الكبير بتوسيع حجم السوق والاستفادة من المهارات والأيدي العاملة بصورة أفضل وعلى نطاق أوسع وخلق فرص جديدة تنهض بالإنتاج والاستثمار والدخل والتشغيل وتمكين المستهلكين من الحصول على السلع بأقل الأسعار الممكنة، وخفض أثر الصدمات الخارجية من خلال زيادة مستوى التنويع الإنتاجي في الدول الأعضاء في التكتل.لذلك فإن التوجه بخطى ثابتة نحو الاتحاد الخليجي لابد أن يبدأ من بوابة الاتحاد الاقتصادي، فبخلاف توافر كل الظروف والمقومات كما سبق وأسلفنا فإن التحديات عديدة ومنوعة وهي تواجه كل دول الخليج وعلى رأسها الأطماع والتحديات الأمنية التي تهدد دولنا من دول الجوار وغيرها!!شريط إخباري..نكرر ما قلناه مراراً إن عالم اليوم لا يعترف بالكيانات الصغيرة وإنما بالتحالفات والتكتلات المبنية على أسس متينة كما هو الحال مع دول الخليج والتجارب تقول بأنه ما عاد من المجدي الاعتماد على الاتفاقات الأمنية مع الدول الغربية والولايات المتحدة تحديداً.