حيــــن حضــــرتُ الأمسيتيــــن الشعريتين قبل أيام في المنامة، وبمشاركة كوكبة من رواد الشعر في وطننا العربي، راودني شعور مختلف هذه المرّة، وهو أن الوطن العربي كان حاضراً في البحرين، هذا ليس شعوري وحسب؛ بل هذا شعور كل الضيوف من الشعراء والأدباء والكتاب الذين حضروا الأمسيتين الجميلتين.مَنْ التقيتهم من هؤلاء الشعراء والأدباء كانوا يحسبون أنهم في أوطانهم، بل كان هنالك شعور أكبر عند الكثير منهم يجاوز هذا الشعور، حين اعتقدوا للحظات أن الوطن العربي كله بات بالشعر وطناً واحداً، عاصمته المنامة.الشعـــــر اختصــــر المسافـــات والأمكنة، واستطــــاع شعــــــراء الوطن العربي ومن مختلف الأمصار أن يجلبوا لنا الحب والســـــلام والضيـــاء والنــــور من أوطانهم عبر الكلمات، واستطاعوا أن يختصروا الأوطان والبحار والإنسان في كلمات عذبة رقيقة وناعمة، كان هو عنوان المؤتمر (كلمة من أجل الإنسان).عشنا وعلى مدى يومين من الزمن في المنامة قصة حب لا تموت، عشنــــا بعيـــداً عن صخب الحياة وضجيج السياسة، حتى شعرنا أن الشعر داء لكل أدوائنا الروحية المعاصرة، لأنه يتجاوز كل الحدود وكل الألوان والأجنـاس ليصـل بأمـن وأمــان لكل البشر.علــــى منصــــة واحــدة ألقــــى البحريني والموريتاني والمغربي والسوداني والإماراتي والكويتي والفلسطيني والعماني واليمني والعراقي والأردني والمصري والتونسي أبياتهم الشعرية بكل حرية وطلاقة دون خوف أو تردد من شبح الظلام، أو حتى من مقص الرقيب، وكنا نتمنى كما تمنى الشعراء أن لا تنقضي ليالي الشعر الجميلة.ليس بالضرورة كي نجتمع ونتوحد كأشقــــاء عـرب من المحيط إلى البحرين في أن نحتــاج للمواقـــف والأحــــداث الصادمة والمؤلمة دائماً، بل هناك الكلمة الرقراق المخملية التي تفعل في النفس مفعول السحر في العيون، فتذكرنا بما حولنا من القضايا والهموم وربما الرزايا المشتركة في عالمنا العربي المنكوب، فالشعر لغة القلب كما الكلمة لغة العقل.الشعر المسؤول هو الشعر المفضـــي إلى الحريــة والكرامة والالتزام بحب الأوطان، والشعر الملتزم هو الشعر الذي يحاول ترميم الذاكرة ومعالجة أمراض الروح وترسيخ مفاهيم الإنسانية عبر العالم.على منصـــة المنامة استمتعنــــا باللغــة العربية القرآنية الخالدة، واستمتعنا باللهجات العامية الدارجة لكل البلدان العربية، ولم تقف المنصة على هذا الحد، بل سمعنا الشعر بالإسبانية، فعرفنا حينها أن الشعر زعيم المشتركات البشرية.جاؤوا ضيوفاً إلى البحرين، لكنهم بعد الأمسيتين وفي أثنائها تيقنوا جميعاً أنهم في أوطانهم فرحون، فلم تعد الجغرافيا ولا التاريخ حواجز صد للوحدة العربية، وكأن الأمسيتين ألغتا كل جوازات سفرنا، وصار الوطن الكبير هو «بلاد العربِ أوطاني من الشام لبغدانِ ومن نجدٍ إلى يمنٍ إلى مصرَ فتطوانِ فلا حدٌّ يباعدنا ولا دينٌ يفرقنا لسان الضاد يجمعنا بغسانٍ وعدنانِ».
Opinion
جمعتنا معهم لغة الضاد في البحرين
27 ديسمبر 2012