كانت لندن نقطة ارتكاز محورية لتشجيع حركات الإسلام السياسي واحتضانها وتوفير كل مايؤهلها لتكون خنجراً في خاصرة الدول الحليفة لبريطانيا، وهو ليس بالأمر الجديد على السياسة الإنجليزية، فهي تلتهم الخراف مع الذئاب وتبكي مع الراعي، ولن يصدق عاقل أن كل هؤلاء المعارضين كانوا في عاصمة الضباب لسواد عيونهم دون تنسيق وترتيب من جهاز الاستخبارات البريطانية وأذرعه الأمنية، ما يعني بلغة صادقة غير مواربة أن معارضي مقاهي لندن نشأوا وترعرعوا تحت رعاية استخبارية بريطانية، والأمر نفسه بالنسبة للأمريكان، ولعل هذا ما برز بشكل واضح بعد الحربين على أفغانستان والعراق؛ حيث حكم رواد مقاهي لندن وواشنطن دولاً أطاح بها «الشيطان الأكبر» وأعوانه.فمن لندن انطلقت شخصيات مثل ليث كبة (عضو حزب الدعوة) وأحد الأسماء المرتبطة بمؤسسة الخوئي الخيرية إلى قيادة مؤسسة (نيد) صندوق الديمقراطية الأمريكي؛ أحد أضلع المربع الذي يحوي هيئة المعونة الأمريكية والمعهد الديمقراطي الأمريكي والمعهد الجمهوري، والسؤال كان؛ هل اختفت أجندة حزب الدعوة والخلفية الدينية للسيد ليث كبة أم بقيت محركاً غير مرئي تحقق أهداف المؤسسة التي تقول أجندتها المعلنة أنها تمول المعارضة وتتبنى صوت من لا صوت له وتعمل على التنمية السياسية، ومع أنهم جميعاً يدعون أنهم منظمات غير حكومية؛ إلا أن الحقيقة أنهم ممولون مباشرة من وزارة الخارجية الأمريكية أو من غيرها من الجهات الحكومية، وتدرج المعونات المقدمة منهم ضمن كشوفات وزارة الخزانة الأمريكية السنوية.لا نحتاج إلى كثير من التأمل والتفكير لنقول إنها معونات تعد جريمة لو حدثت في أمريكا، لأنها تدخل في رسم السياسة الداخلية ومحاولة إيصال جماعات لسدة الحكم مقابل جماعات أخرى حسب فائدة السياسة الأمريكية. ردت الفعل الإماراتية المتأخرة نوعاً ما تشير إلى أن جزءاً منها تفاجأ من كون بعض أبنائها ذوي التوجهات الدينية يتعاملون (بحسن أو سوء نية) مع جهات أكبر بكثير من مجرد طموح سياسي لجماعة في دولة كل شيء فيها هادئ إلا من حركة النهضة والعمران، وقد تعود المفاجأة لغياب لغة التنسيق الحقيقي الواعي المتفهم الذي جعل دولة كالإمارات تسمح بوجود المعهد الديمقراطي الأمريكي على أراضيها دون التفات لتجربة البحرين معه.وحتى نكون منصفين؛ ليست الإمارات وحدها، بل ثمة خيوط متينة تُشعر المتابع أن كل دولة من الدول الخليجية الست تظن أنها مختلفة ولا تؤمن بنتائج تجربة الآخرين حتى يتكرر معها الأمر نفسه، علماً أن بين الدول الست قواسم مشتركة تنبئ أن التجارب السيئة في إحداها ستكرر مع الأخرى، خصوصاً أن البيئة القانونية والتنظيمية التي يمكن أن تحفظ حق الدولة دون مساس بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان تعد أرضية نامية أمامها الكثير لتصل إلى مرحلة من المتانة والقوة.وهكذا طردت الإمارات العربية المتحدة المعهد الديمقراطي الأمريكي في الأول من يناير 2012، فماذا كان يعمل المعهد طوال تلك السنوات؟ وبمن كان يتصل؟ وما هي البرامج التي جرى تطبيقها؟ وما نوعية التدريب العلني وغير العلني الذي حصل عليها المتعاملون معه؟ خصوصاً أننا عندما نتحدث عن المعهد الديمقراطي الأمريكي فنحن أمام مؤسسة لها تواجد في 65 دولة وتحرص في دولة كجمهورية مصر العربية على وجود فروع لها في المحافظات... وللحديث بقية
Opinion
الإمارات.. لماذا الآن؟! (6)
11 نوفمبر 2012