رسالة نوجهها للدولة هنا تتضمن تساؤلات بشأن إجراءاتها في التصدي لعمليات الإرهاب التي وصلت لحد لا يطاق، وباتت تحصد البشر واحداً تلو الآخر في ظل استمرار قادة التأزيم والتحريض في ممارساتهم المعادية للدولة والداعية لبث الكراهية ضدها وتحفيز كل ما من شأنه الإضرار بأمن البلد.تذكرون تماماً أعمال شغب لندن التي اندلعت صيف العام الماضي وكيف تم التعامل معها؟!سنذكركم هنا عل الذكرى تنفع المؤمنين.خرج رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في مؤتمر صحافي ليتحدث عن إجراءات الدولة إزاء أعمال الشغب والتخريب، كلامه بث على الهواء مباشرة والملايين تابعوه (الرابط موجود وسأنشره على صفحتي الفيسبوك والتويتر)، هنا سأنقل كلام كاميرون حرفياً، وأدعو الدولة قبل الناس للتمعن فيه.قال كاميرون بالحرف ما يلي:«أود أن اطلعكم على آخر المستجدات والإجراءات التي تم اتخاذها لانتزاع هذا العنف الحقير من شوارعنا:- شهدت ليلة البارحة انتشاراً أمنياً كثيفاً لرجال الشرطة في كافة أرجاء المدينة.- تم اعتقال المزيد من الأشخاص وتوجيه تهم ومحاكمات لآخرين.- ليلة البارحة شهدت انتشار 16 ألف عنصر من عناصر الشرطة في شوارع لندن.- هناك دلائل تشير إلى استخدام نهج أقوى للشرطة في لندن قد أدى إلى ليلة أهدأ في كافة أرجاء العاصمة.- علي أن أشيد برجال الشرطة الشجعان وكل العاملين بخدمات الطوارئ.- المجموع الكلي للأشخاص الذين تم اعتقالهم بلغ 750 شخصاً منذ يوم السبت الماضي، كما وجهت الاتهامات إلى أكثر من 160 شخصاً.- اليوم نشهد عمليات كبيرة لفرق الشرطة وذلك لاعتقال المجرمين الذين لم يتم القبض عليهم ليلة البارحة، ولكن تم التعرف عليهم من خلال صورهم الملتقطة بواسطة الدوائر التلفزيونية المغلقة.- جاري التعرف على هؤلاء المجرمين من خلال صورهم واحداً تلو الآخر ومن ثم اعتقالهم.- لن ندع أية ادعاءات زائفة بخصوص حقوق الإنسان أن تقف عثرة أمام نشر تلك الصور واعتقال هؤلاء الأشخاص.- وأنا أتكلم معكم الآن فإن الأحكام يتم إصدارها والمحاكم عملت طوال ليلة البارحة وستعمل الليلة أيضاً.- إصدار الأحكام هو دور المحكمة ولكني أتوقع أن يرسل إلى السجن كل من قام بأعمال عنف وصدر بحقه حكم قضائي.- هذا العنف المستمر ببساطة غير مقبول وسوف يتم إيقافه.- لن نسمح بهذا الوضع في بلادنا ولن نسمح بتواجد ثقافة الخوف في شوارعنا.- لأكون واضحاً معكم، لقد تم الاتفاق اليوم على المضي قدماً في التخطيط المتكامل لحالة الطوارئ.- سنقوم بتوفير كافة الموارد التي يتطلبها رجال الشرطة.- كما إننا سنوفر الدعم القانوني لرجال الشرطة في حال توظيفهم لأية تكتيكات يرونها مناسبة.- سنقوم بعمل كل ما هو ضروري لعودة النظام إلى شوارعنا.- اليوم والآن فإن أولوياتنا مازالت واضحة، سنقوم باتخاذ أي إجراء لازم لإعادة النظام إلى شوارعنا.انتهى كلام كاميرون هنا”.الآن نتحدث مستذكرين موقف الدولة البريطانية إزاء العنف وكيف تعاملت معه، ونستغرب أن البحرين وهي التي استجلبت خبيراً أمنياً بريطانياً، وهي التي تمضي لتوقع الاتفاقيات الأمنية مع بريطانيا بين الفينة والأخرى، لا تمضي لانتهاج نفس السياسة البريطانية في الحفاظ على أمنها الداخلي.عودوا لكلام كاميرون وضعوا خطوطاً تحت الإجراءات التي قامت بها الحكومة البريطانية، بالأخص تلك المتعلقة بمنظمات حقوق الإنسان وكيف قال كاميرون بأنهم لن يدعوا ادعاءات زائفة بهذا الخصوص تقف عثرة أمام القبض على المجرمين ومحاسبتهم، بل وتم نشر صورهم في كل وسائل الإعلام للتعرف عليهم.انظروا لعدد المعتقلين الذين تم إيقافهم وعدد الذين أدينوا بالتهم، وكيف أن الأوامر صدرت للمحاكم بأن تعمل طوال الليل لإصدار الأحكام، وهنا نقطة مفصلية باعتبار أننا في البحرين نرى وزارة الداخلية تقوم بعملها بالقبض على المتهمين، في حين تتعطل إجراءات التقاضي في النيابة العامة والمحاكم، بل نصل لمرحلة تدحض فيها الأحكام وتعاد التحقيقات وتفتح القضايا من جديد.كاميرون يقول -وهو رئيس وزراء بريطانيا الدولة العظمى التي نبعت منها ممارسات الديمقراطية الحديثة واحترام حقوق الإنسان- يقول بأن الأولوية لديهم هو إيقاف العنف، وعدم السماح لاستمرار الوضع ونشر ثقافة الخوف. بل كاميرون منح كافة أجهزة الأمن الدعم اللوجستي والغطاء القانوني حينما قال بأنهم سيوفرون الدعم القانوني لرجال الشرطة في حال توظيفهم لأية تكتيكات يرونها مناسبة، وهذه الجملة بحد ذاتها تستوجب التوقف والتمعن إن كنتم تدركون مضامينها وتقدرون على تفسير ما تعني كلمة "تكتيكات” و«غطاء قانوني”، إذ لدينا هنا رجل الأمن متهم ويحاسب بسرعة البرق حتى لو كانت ردة فعله نتيجة دفاع عن النفس أمام مولوتوفات تلقى عليه بهدف زهق روحه.هذه بريطانيا العظمى، بريطانيا الحريات والديمقراطية، انظروا كيف تعاملت مع الإرهاب بكل صرامة وحزم، ولم تلتفت لـ«صراخ” منظمات حقوق إنسان، ولم تعطلها أصوات هنا وهناك لإعادة الأمن ومحاسبة المخربين.كاميرون خرج بهذه التصريحات في مرات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وخلال فترة زمنية قياسية طبق ما قاله وأعاد الأمن لبلاده وحاسب المخربين.الآن قارنوا تصريحاته بعدد التصريحات الصادرة من المسؤولين البحرينيين على امتداد شهور طوال، والتي في مضامينها اللغوية تتفوق على ما قاله كاميرون، لكن بخلاف أن تصريحاتنا لم تصل في نفس قوتها ومستواها للفعل المطلوب اتخاذه.هناك قالوا بأنهم سيحاربون الإرهاب وسيحاسبون المتسببين به، وفعلوا ذلك بأقصى سرعة دونما اكتراث لأي شيء وقطعوا دابر الإرهاب نهائياً، لأن مصلحة البلد العليا وسلامة مواطنيه والمقيمين فيه تأتي فوق كل اعتبار. وهنا قلنا ومازلنا نقول بأننا سنحارب الإرهاب وسنضرب بيد من حديد، لكن حتى الآن نرى الإرهاب هو من يضرب بيد من حديد، هو من يزيد والاستهتار الأمني يتعاظم، وإجراءات التقاضي تتعطل وتتأخر حتى تحول المثول أمام المحاكم أشبه بـ«النزهة” وتمضية الوقت، مع الاحترام الشديد للقضاء.لا أدري ما الذي تريد الدولة أن تثبته للعالم الخارجي ولأمريكا ولمؤسسات حقوق الإنسان؟!يا جماعة والله لو حولتوا البحرين لجنة الله في الأرض، لو حولتموها لمنبع للعدالة والإنصاف والديمقراطية وكل شيء جميل فلن يرضيهم هذا ولن يكفوا عن التدخل في شؤوننا ولن يتوقفوا عن دعم الانقلابيين.طبقوا القانون كما فعلته بريطانيا بكل حزم وقوة وبكل "ثقة بالنفس”، أقلها ستكونون تطبقون استراتيجية طبقتها أم الديمقراطيات للحفاظ على أمنها القومي وسلمها الأهلي. فهل يمكنكم ذلك؟!
Opinion
دولتــــنـــا.. «تعرفين تسوين هلّون»؟!
07 نوفمبر 2012