في أحد الأيام مرضت والدته مرضاً شديداً وقد استلزم الأمر إجراء عملية جراحية لها إلا أن الطبيب لم يتمكن من إجراء العملية نظراً لعدم وجود الضوء الكافي، فاضطر للانتظار صباحاً لكي يجري لها العملية .. من هنا تولد الإصرار عند «أديسون» الذي انكب على تجاربه وخاض 99 تجربة فاشلة حتى نجح في المرة المائة لكي يضيء ليل العالم كله بمصباح تقف وراءه أمه العظيمة التي كانت واثقة جداً بابنها. فعكفت على تدريسه وتثقيفه بعد أن طرده مدرسه من المدرسة كونه فاسداً وغبياً، كما ادعى، فيما هي رفضت أن يصف أحدهم ابنها بهذا الوصف وأخذت تثابر لتعليمه.يعترف أديسون الذي أنجز للبشرية 1093 اختراعاً بأن أمه هي من صنعته لأنها كانت تحترمه وتثق فيه ولأنه اكتشف أنها أطيب كائن على الإطلاق فقد دافعت عنه وبشراسة عندما وصفه أستاذه بالفاسد، فعزم أن يكون جديراً بثقتها وأصبح يرى وجوده ضرورياً من أجلها ولأجل ذلك كله عكف على إيجاد اختراع يبدد ظلام العالم كله لأجل أمه.توماس أديسون كان حبه لأمه هو المصباح الذي أضاء له فكرة اختراع المصباح ليضيء العالم كله بأنوار تضيء حبه الكبير لأمه بشكل خالد، وتعلن بالنيابة عنه هذا الحب، لكي يتذكر العالم كله أن السبب وراء كل هذه المصابيح في الدنيا «أم» يحبها ابنها كثيراً فاستلهم واخترع لأجل عمليتها التي أجلت حتى الصباح المصباح. إن الأم ليست مدرسة تقبع عند قدميها الجنة فحسب بل هي جنة الدنيا التي تمنح لاطفاها القوة والإرادة والعزيمة.. إنها الإضاءة الدائمة بالنفس التي توجد خيوط النور والأمل في داخلهم عندما يشتد ظلام العالم من حولهم، هي الإلهام التي يستدل من خلالها الابن على معجزات إنجازاته في الحياة، إنها دائماً الوجه الذي يظهر له ويمده بزاد القوة والإصرار عندما يشعر بأن العالم من حوله يخذله، لم نعرف أحداً في وقت خوفه وفزعه واضطرابه لم يقل كما نقول بالعامية دائما «يمه» أو «ماما» أو كما ينادي أمه.. يكبر الطفل في حضنها وينضج ويغدو رجلاً وهو لا يزال يحتاج إلى حنانها، يتزوج وينجب الأطفال وهو ما يزال يحتاجها ويحتاج وجودها معه، يكبر أطفاله وقد يغدو جدا صغيرا فيما هو لا يزال لا يريد في هذه الدنيا سوى جنته «امه» التي لا حنان ولا حب بعدها، إنها شجرة العطاء التي تنبت أطفالها وتمنحهم من قوتها وجذورها النمو والحب والدفء لينضجوا ويكبروا تحت رعايتها، قد يأتي يوم من يقتطفهم منها بحب وحنان وينتزعهم لكنه مستحيل ان يعطيهم كما أتهم هي من اهتمام وحب ورعاية أنبتتهم من الداخل. فاهتمام أي شخص آخر مهما كان يبقى سطحياً.. خارجياً .. بسيطاً .. فيما اهتمامها يكون من الداخل.. إنها تمنح أبناءها من صلبها وجذروها القوة.. لا نعرف في هذه الدنيا ثماراً ناضجة جميلة الشكل يانعة دون أن ندرك أن وراءها شجرة معطاءة جذروها راسخة قوية هي من انبتت هذه الثمار وأوجدتها بهذا النضج والعطاء وأمدتها بالحب والرعاية.يقولون عن المرأة إنها نصف المجتمع وشقيقة الرجل في المسؤوليات والمهام لكنها في أحيان كثيرة تكون المجتمع كله والمرأة والرجل في عيون أطفالها.. هي وحدها من تستطيع أن تلعب كلا الدورين إن قدرت الحياة لها ذلك كأرملة.. ويقال عن المرأة الأم إن الجنة تحت قدميها وإنها مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق، وجميعنا يتفق على أن الأم فعلاً مدرسة تنثر بذور الأخلاق قبل المعرفة في نفوس أطفالها وتوجد الأساس في داخل شخصيتهم وتزرع اللبنة الأولى فيها إنما أجد أن الجنة ليست تحت أقدام الأمهات فحسب، بل بالقرب منهن ووجودهن في حياتنا اليومية بتفاصيلها وأحداثها.. شيء جميل أن تتفوق في الحياة وتحمل تفوقك إلى المنزل لتطالعه هي.. أساس من زرعته بداخلك، والأجمل أن تشعر وهي تطالعه أن تفوقك من تفوقها هي.. إنك كلما نجحت التفت إلى الوراء لترها تطالعك بفرح وتقف وراءك وتدعمك دائماً. شخصياً أتجنب في كثير من الأحيان الكتابة عن الأم حتى في صفحاتي الخاصة على المدونة أو الفيسبوك.. أجدني دائماً وأنا أهم بالكتابة في هذا الموضوع بالذات إني دائماً ما أتراجع في والى لحظات الكتابة. فالكلمات لا تعجز عن وصف نعمة «الأم» في هذه الدنيا فحسب، بل لأنني أعلم تماماً في كل مناسبة تمر فيها مناسبة «يوم الأم» إنني لا أود الكتابة بطريقة فيها شيء من الخصوصية التي لا أحب الحديث عنها وأنا أتحدث عن مدارس العزيمة والإرادة التي تقدمها الأم دائماً لأبنائها. لكنني وددت اليوم أخذ مساحة هنا للتكلم عن «أمي.. إمي العزيمة وأمي الإرادة» علها وهي تقرأ سطوري هذه تفهم كم أنا شخصياً أفخر بها وأفخر أنني ابنتها وتفهم كذلك كم هي امرأة قوية وستظل قوية دائماً ومصدر القوة والإلهام للجميع من حولها. من ناحية نفسية، كثير من الأبناء عندما يمرن بمواقف صعبة ومؤلمة للغاية يطردون شبح اليأس وانكسار العزيمة بداخلهم عندما يتذكرون مواقف ثبات آبائهم وأمهاتهم وكيف تصرفوا فيها وتغلبوا على انتكاساتها بكل شجاعة وإيمان راسخ.. أم المهاتما غاندي كانت بعد صلاة الصبح تتقدم إلى كل واحد من أبنائها وتلقنه أن يردد طيلة النهار بينه وبين نفسه كلمات «أنا حر.. أنا شجاع.. سأقول الحقيقة دائماً» إن الأفكار التي غرستها هذه الأم المحبة جعلت غاندي بجسده النحيف الزاهد وهيئته يكون محرر الهند العظيم ومصدر إلهام عن الحرية والعدالة لكثيرين في العالم حتى يومنا هذا لذلك أقول لأمي ولكل أم تقرأ سطوري تذكري دائماً أنت شجاعة وأنت حرة وأنت جنة الدنيا لأبنائك.مساحة أخيرة وإن كانت الجنة تحت أقدام الأمهات وعند الآباء فهي أيضاً مع وجودهم معك في هذه الدنيا.. إن وجودهم إلى جانبك في كل محطات حياتك هي عيدية الله الدائمة لك فهم تاج عزك وسندك دائماً.
Opinion
جنة الدنيا ومصباح الحياة «الأم»
12 يناير 2013