من أراد أن يُحَطِّم الكثير من أعصابه ويدمر الكثير من خلاياه (المستريحة)، أو أن يتعب (نفسيته) على (الفاضي) ما عليه إلا متابعة القضايا المتعلقة بالأحداث السياسية في البحرين عبر تويتر، أو الكثير من الأحاديث والهذر في السياسة التي يتداولها بعضهم في المجالس العامة والخاصة وفي الديوانيات والمقاهي وأماكن العمل.ليست هذه المشكلة؛ فما دام الناس يعيشون في جو متلبد بالسياسة، فإن الخوض في الباطل والقليل من الصدق سيكون أمراً طبيعياً، لكن ما هو ليس طبيعياً، أننا نجد الناس اليوم تنساق خلف إشاعات ومطالب سياسية غبية وغريبة للغاية، لا ندرك مداها ولا أمدها ولا مغزاها!!.مع كل ذلك لا يهمنا هذا الكلام أيضاً، فإن تناول الإشاعات يعتبر أمراً بديهياً للغاية، خصوصاً في ظل صراعات سياسية تحكم واقعنا القلق، لكن الأهم هنا أن تظل موازين القوى بين الخصوم، متساوية من حيث الإحكام والسيطرة على الواقع مع ترك خطوطٍ واضحة وسليمة للعودة، إضافة لكل ذلك أن يحافظ أبناء المجتمع الواحد على نسق العيش المشترك الواحد.إن تحسين الوضع المعيشي وتطوير دخل المواطن، وربما يكون الإصلاح السياسي وتعديل الدوائر الانتخابية ومناقشة الحريات العامة، والحديث عن العدل والمساواة وتوزيع الثروة وغيرها من القضايا السياسية الحساسة والحرجة، كلها قضايا في غاية الأهمية تُطرح اليوم في الشارع وفي البرلمان والعمل والمدرسة والبيت، وفي أروقة الجمعيات السياسية وعند الحكومة أيضاً، كل هذا(ولحد الآن) يعتبر أمراً وارداً جداً، لكن وحسب اعتقادنا السياسي والوطني والأخلاقي والتاريخي، هناك ما هو أهم من كل هذه المسائل المطروحة على الإطلاق ألا وهو الأمن والأمان.ورد في المرويات الإسلامية بأن هنالك (نعمتين مجهولتين؛ الصحة والأمان)، فالأولى ليست موضع حديثنا هنا، لكن الثانية هي محور هذا الحديث.إن الحفاظ على أمن المجتمع، بما فيه من ناس وأعراض وما فيه من سلامة أجسام وأرواح، وكل ما يتعلق بالبشر، كالشجر والحجر وحتى المدر، هو أساس بقاء الإنسان أينما وجد، فالمجتمع الآمن تستطيع أن تختلف فئاته بكل أريحية، لأن ما يضمن هذه الحريات وهذا البقاء والوجود هو الأمن والأمان، وفي حال انعدم الأمن سيظل كل ما سواه لا قيمة له أبداً.إن أكثر ما نخافه على هذا الوطن وعلى إنسان هذه الأرض هو فقد الأمن والأمان، لأن فَقْد الأمن هو المعادل الحقيقي لِفَقْدِ كل شيء ثمين، فالحياة غير الآمنة لا تساوي حبة من خردل كما قال الله تعالى في كتابه الكريم أو حتى (عفطة عنزٍ) كما يقول ابن أبي طالب عليه السلام، فالأمن شرط لديمومة البقاء والاستمرار والسعادة والطمأنينة للإنسان.في البحرين، وفي هذه المرحلة تحديداً، لا تطلبوا سوى الأمن والأمان، فما ستدركونه من دون أمن أو أمان لن يدوم لكم كثيراً حتى لو كان جميلاً، فالعيش في ضنك الحياة مع الأمن خير من العيش في رفاهية تحت ظل فقده.جزيرة صغيرة وادعة بالحب والأمن والأمان هو مطلب من لم يلوث نفسه بالسياسة، ولم يهتم كثيراً بالغوغاء وأحاديث الساسة، ولم يشتغل فيما يتعلق بثرثرات تويتر والديوانيات والجمعيات، أما من كان يهدف للتسلق والتملق في سبيل مناصب ومراكز ووجاهات دنيوية زائلة، سيكون آخر همه الأمن، فجنبنا الله شر هؤلاء القوم، وأَنْعَمَ الله تعالى علينا بالأمن والأمان، في بلد نعشق كل ذرة من ذرات ترابه.
Opinion
اللهم ارزقنا الأمـــن والأمــــان
17 ديسمبر 2012