من أطرف ما نشره أحد المحسوبين على أولئك المضرين بالوطن تغريدة عبر التويتر تقول «العنف خطأ، والانجرار إليه خطأ. لا بد من أن تكون السلمية من أهم مرتكزات حركة حقوق الإنسان في العالم، واللاعنف يجب أن يصبح ثقافة تتناقلها الأجيال». أما الطرافة في هذا الكلام الجميل الذي لا يختلف عليه أحد فهو أن الداعين إليه هم الذين يمارسون العنف ويجرون الآخرين إليه، وهم البعيدون عن السلمية في ممارساتهم، وما يفعلونه لا يمكن أن يؤدي إلى أن يصبح اللاعنف ثقافة يتناقلها الأجيال، ما يعني أن التغريدة كانت إما لزيادة عدد التغريدات في سجل المغرد أو أنها مجرد «إواله»، على حد تعبير الفنان الراحل فؤاد المهندس، فما ينفذه اليوم ذلك الشباب المندفع إلى حيث لا يعلم ليس إلا أقسى أشكال العنف وهو اعتداء صريح مع سبق الإصرار والترصد على الوطن والمواطنين والمقيمين، ولولا هذا الذي يقومون به لما دعا عليهم أحد باللعنة.الدعاء باللعنة لا يلجأ إليه المسلم إلا بعد وصوله إلى حال يجد أنها تستوجب الدعاء على الآخر بالطرد من رحمة الله، ما يعني أنه «وصل حدّه»، وما يتم تنفيذه في مختلف الشوارع اليوم استجابة لتعليمات محددة لا يجد المتضررون منها سوى الدعاء على الفاعلين بهذه الدعوة القاسية بل القاسية جداً. كل الذين يتعطلون في الشارع نتيجة تلك الأفعال اللامسؤولة يقولون لحظتها في قرارة أنفسهم (الله يلعنهم)، وكل من تصله الروائح النتنة المنبعثة من إطارات السيارات المحترقة يدعون على الفاعلين باللعنة، أما اللعنة الأكبر فتنطلق من قلب أولئك الذين اضطروا إلى حمل مريض أو مصاب إلى المستشفى وتعطلوا في الشارع بسبب سلوكيات خاطئة وممارسات مرفوضة اختير لها أيضاً أماكن وأوقات خاطئة.قبل ثلاث ليال تعطلت حوالي الساعة التاسعة الشوارع التي تلتقي في تقاطع وإشارات أحد المقاهي جنوب الزنج بسبب «تنفيذ عملية»، فتعطل ركاب السيارات التي بالتأكيد كان بينها من يريد الوصول بمريض إلى مستشفى السلمانية، بل كان بين السيارات التي تعطلت سيارة إسعاف لم يعرف سائقها كيف يتصرف، فقد كان واضحا أنه يحمل حالة طارئة ويقاتل الوقت كي يصل بها إلى الطوارئ في الوقت المناسب، بينما كان الدخان المنبعث من إطارات السيارات المحترقة يتطاير بقوة وبدا مخلوطا بمسيلات الدموع التي اضطرت الشرطة إلى استخدامها للسيطرة على الموقف.هذا الموقف شهدته بنفسي ورأيت بأم عيني كيف كان يعاني الذين جلبهم حظهم العاثر إلى ذلك المكان في ذلك التوقيت، فإضافة إلى تعطلهم اقتحم الدخان بأنواعه حيث كانوا جالسين ينتظرون الفرج بينما قلوبهم وألسنتهم تلهج بالدعاء على الفاعلين الذين اختاروا الفعل الخاطئ للتعبير عن ضيق أفقهم والسلوك الخاطئ للوصول إلى مآربهم.(الله يلعنهم) وجدتها في تلك اللحظة مرسومة على وجوه كل من شملهم ذلك الاعتداء الآثم ومنطلقة من قلوبهم، وأكاد أجزم أن كل أولئك اتخذوا موقفا سالبا من المضرين بالوطن ومن محرضيهم مهما كانوا متعاطفين معهم. لكن ذلك المشهد لم يكن خاصاً بذلك المكان حيث تم تنفيذ تلك الحماقات في تلك الليلة وغيرها من الليالي قبل وبعد في شوارع أخرى وتوسعت دائرة المتضررين منها ما أدى بطبيعة الحال إلى زيادة الداعين على الفاعلين باللعنة والطرد من رحمة الله. فأي سلمية هذه التي يتحدثون عنها وأي حقوق إنسان هذا الذي يرفعون شعاره وأي ثقافة اللاعنف تلك التي يتشدقون بها ويريدون أن تتناقلها الأجيال؟ ما يحدث حماقة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ بل هو أم الحماقات وأبيها، والذين يقومون بتلك الأفعال قليل عليهم الدعاء (الله يلعنهم).