إن أحد مظاهر تزييف الوعي إبان الأزمة السياسية التي تمّر بها البلاد في أعقاب أحداث فبراير من العام الماضي يتمثّل في محاولة الربط التعسّفي بين السياسة والدين، وتجيير الأحداث ذاتها إلى ما يشبه الصراع الفكري بين الطائفتيّن، وذلك بإلباس الأزمة ثوباً دينياً صرفاً، ومحاولة تفسير الوقائع برؤية ماضوية تنشد إعادة كتابة التاريخ من منظورٍ مذهبيٍ ضيقٍ. ولا شّك أن السعي للانتقاص من مستوى الوعي الشعبي الذي بلغه الناس بعد عقودٍ متواصلةٍ من الكفاح من أجل الحرية والديمقراطية والاستقلال الوطني، وعدم احترام عقولهم عند صياغة أهداف المرحلة السياسية الحالية، وتحديد المهمات المركزية المنشودة في هذه الحقبة المفصليّة المهمة، نقول إن مثل هذا السعي قد قاد في نهاية المطاف إلى طرح شعاراتٍ سياسيةٍ قد لا تكون بالضرورة واقعيةً أو مدروسةً، ربما لأنها لم تحظ بالإجماع الشعبي، ولم تأخذ في الحسبان المزاج العام، بل استندت إلى العواطف المتأججة للمشاركين في المسيرات، مما أدّى إلى جعلها مناوئةً لمجرى التطوّر الموضوعي للبلاد، ومنافيةً لمتطلبات المرحلة وجوهرها. إن الرؤية العقلانية للأمور في هذه الحالة لا تعني التخلِّي عن الحلم بتجسيد أفكار العدالة والمساواة على أرض الواقع، بل في التفكير في كيفية جعل هذه الشعارات الأساسية رايةً يلتف حولها الفرقاء، رغم تباين منطلقاتهم الفكرية، ومشاربهم الأيديولوجية، وانتماءاتهم المذهبية، وتحويلها إلى مصهرٍ للوحدة الوطنية والتلاحم بين أفراد الطائفتين، بدلاً من الإصرار على رفع شعارات قد تقود، في حالة الالتزام الثابت بها، إلى شق الصف الوطني، وزيادة شحنة الكراهية والبغضاء والحقد، دون مراعاة التعايش السلمي بين أفراد المجتمع على مدى قرونٍ ممتدّةٍ خلت. مرة أخرى نريد التوضيح للقارئ الكريم بأننا نهدف من وراء كتاباتنا إلى زيادة مساحة العقلانية والحكمة في تفكير المواطن البسيط، والارتقاء بالخطاب السياسي الذي بات الابتذال والتسطيح سمتيّن ملازمتيّن له في الآونة الأخيرة، دون أن نلغي حق الاختلاف بين مختلف الأطراف السياسية، وحق كل طرف في اعتقاد ما يشاء، فلا حجر على الرأي الآخر ولا تثريب!
Opinion
تأصيل ثقافة العقلانية في مجتمعنا.. ضرورة وطنية ملحة «12»
12 ديسمبر 2012