يمثل العيد الوطني لأية دولة مناسبة مهمة لاستعراض الإنجازات الوطنية وإحياء روح المواطنة لدى جماهير أبناء الوطن، ونقل رسالة للعالم بأسره بأن الوطن بخير وفي أحسن صورة، وأبهى مظاهره، لكن في الكواليس يمثل العيد الوطني مناسبة وفرصة للتأمل والتدقيق في جوانب النقص، وأوجه القصور، والتفكير في كيفية التغلب على العقبات، واجتياز الصعاب، ومواجهة التحديات. وهذا من الأمور الطبيعية التي تواجهها كل دولة، فليست هناك دولة بما في ذلك القوة العظمى في العالم لا تواجه تحديات أو عقبات، والقيادة البحرينية هي قيادة رشيدة وواعية، وتتسم بالحكمة في قراراتها وتصرفاتها، ومن متابعتي عبر سنوات عملي في البحرين، أجد نفسي منبهراً لما تتسم به هذه القيادة من عقلانية ورؤية وبعد نظر، فعلى سبيل المثال تصدر مكرمات عديدة تخفف عن المواطنين أعباء المعيشة، أو تمنح آخرين مزايا مختلفة، أو تلغي قروضاً أثقلت كاهلهم، ونحو ذلك من الإجراءات ذات الصلة بالحياة اليومية. على الجانب السياسي الوطني؛ لمست تجديد جلالة الملك وصاحب السمو الملكي الأمير رئيس الوزراء وصاحب السمو الملكي الأمير ولي العهد لدعوة الحوار الوطني، وهذا مما يثلج الصدر، ويريح النفس، فالبحرين مملكة قائمة على المحبة والمودة وعلى التنوع والاعتدال، وعلى التسامح والعفو، وعلى تلاحم أبناء الوطن جميعاً بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو الدينية، بل تلاحم الجميع مع الوافدين من مختلف الجنسيات الذين يساهمون في بناء البحرين في العديد من المواقع من العمالة الوافدة البسيطة التي تشيد الجسور والطرقات، إلى العمالة المهنية في كثير من مواقع الإنتاج إلى العمالة العالية الكفاءة والخبرات العلمية والأكاديمية والوظائف الاستشارية في العديد من أجهزة الدولة، الكل يشعر أنه بين أبناء وطنه، وأن المحبة والمودة تسود بوجه عام بين الوافدين والمواطنين، كل يحترم الآخر، وكل يدرك أهمية عمله مهما كان موقعه، وكل يشعر بالراحة النفسية في تعامله مع الآخر، وقد شاء لي الله أن أزور العديد من مناطق مملكة البحرين سواء في منازل بعض أهل السنة أو منازل بعض أهل الشيعة، أو أماكن الوافدين من الهند والباكستان بوجه خاص نتيجة عملي الدبلوماسي في هاتين الدولتين، فإن لأبنائهما مكانة خاصة في نفسي، ووجدت الجميع يتحدث عن البحرين، وعن المواطنين بروح إيجابية، وكذلك الأمر بين المكونين الرئيسين في المملكة، ويأسف الجميع على ما وقع من أحداث، أدت إلى شرخ يبدو عميقاً، وإن كنت أراه غير ذلك، فالآلام تخف مع الزمن، والجروح تلتئم إذا حسن العلاج، وراعي الأفراد حسن معالجتها، وعدم المبالغة في المطالبة بدواء معين يربك الميزانية ويثير الخلاف بين أفراد الأسرة الواحدة.إنني أنتهز هذه المناسبة لأحيي القيادة الرشيدة وأحيي شعب البحرين، أهنئ الجميع بالعيد الوطني، وأدعو الجميع لنسيان الماضي بآلامه ومآسيه، كما قالت كوكب الشرق أم كلثوم في إحدى أغنياتها، والتطلع للمستقبل بأمل وبقلب مفتوح، وكما جاء في كلمة صاحب السمو ولي العهد في افتتاح حوار المنامة داعياً للحوار دون مبالغة في المطالب، ونبذ للعنف. وأضيف إنني ألمس من الجميع روح المودة، وأدعوهم للتأمل قليلاً خارج البحرين، ليروا بأم أعينهم، ماذا حدث ويحدث فيما يسمى دول الربيع العربي؟ حيث الدماء تسيل حقيقة لا مجازاً ولا مبالغة، وحيث الإرهاب باسم الدين لا يجد من يردعه فالدين والسياسة لا يجتمعان، ولقد قال الإمام محمد عبده منذ أوائل القرن العشرين «السياسة من ساس ويسوس؛ وسائس ومسوس لعن الله السياسة»، إن التظاهر المستمر أدى إلى وقف عجلة الإنتاج، وحيث الخدمات الأساسية تعطلت، وحيث مظاهر الحداثة تراجعت، ويقارن بموضوعية ما هو قائم في البحرين، حيث يجد العكس عما هو الحال في دول الربيع العربي، وهو بالتأكيد ليس ربيعاً بل خريفاً، حيث المستقبل يبدو غير واعد، وأنا بصفتي أنتمي لإحدى دول الربيع العربي، أشعر بحزن شديد على وضع بلادي التي كان يسودها التسامح والاعتدال، وكانت ضمن دول واعدة، وتراجع ذلك كله للأسف لنقص الحكمة في الإدارة السياسية للتطورات والأحداث، ونقص التروي والتدبير الحكيم من القوى والأحزاب السياسية، وقلة خبرة الجماهير في دهاليز وألاعيب السياسة، وعدم إدراك البعض لاعتبارات السياسة الدولية والإقليمية. إنني أشعر بالاعتزاز بحكمة قيادة البحرين وشعبها وجمعياتها السياسية، وكما يقال في المثل الدارج «الحلو لا يكتمل» فإن عدم الاكتمال من سمات البشر، فأدعو شعب البحرين للحفاظ على وحدتها وتماسكها واعتدالها، والالتفاف حول قياداتها وأدعو هذه القيادة لتغليب روح التسامح والعفو، لإعادة اللحمة إلى تماسكها وإعادة المياه إلى مجاريها، وحمى الله البحرين من كل سوء، وبارك الله في شعبها بكافة أطيافه، وفي قيادتها لما تتمتع به من حكمة. وكل عيد وطني والبحرين في خير واستقرار وأمن وأمان.